ولم تكن دار الصناعة قاصرة على أعمال الأسطول، بل كانت تجهز فيها أيضا السفن التجارية التي تحمل الأقوات بطريق النيل. (10) شيء عن السفن
ووصف الرحالة المؤرخ عبد اللطيف البغدادي ضربا من السفن المصرية، فقال: «... وأما سفنهم فكثيرة الأصناف والأشكال، وأغرب ما رأيت فيها مركب يسمونه العشيري، شكله شكل شباره (؟) داخلة، إلا أنه أوسع منها بكثير، وأطول، وأحسن هنداما وشكلا، قد سطح بألواح خشب ثخينة محكمة، وأخرج منها أفاريز كالرواشن نحو ذراعين، وبني فوق هذا السطح بيت من خشب، وعقد عليه قبة، وفتح له طاقات وراوازن بأبواب إلى البحر من سائر جهاته، ثم تعمل في هذا البيت خزانة مفردة، ومرحاض، ثم يزوق بأصناف الأصباغ، ويدهن بأحسن دهان، وهذا يتخذ للملوك والرؤساء بحيث يكون الرئيس جالسا في وسادته، وخواصه حوله، والغلمان والمماليك قيام بالمناطق والسيوف على تلك الرواشن، وأطعمتهم وحوايجهم في قعر المركب، والملاحون تحت السطح أيضا، وفي باقي المركب يقذفونه به، لا يعلمون شيئا من أحوال الركاب، ولا الركاب يشتغل خواطرهم بهم، بل كل فريق بمعزل عن الآخر، ومشغول بما هو بصدده.» (11) سراديب مناظر الفجالة
وكان الفاطميون يأتون من القصرين - بجوار الأزهر حيث سوق الصياغ الآن - إلى مناظر الفجالة في سراديب بنوها تحت الأرض، حتى لا يراهم أحد في طريقهم.
قال العلامة القلقشندي - صاحب صبح الأعشى - نقلا عن ابن الطوير، الذي كان معاصرا للخلفاء الفاطميين تحت عنوان «هيئة الخليفة في قصوره»: «ولا يقتصر في القصر على ركوب الخيل، بل يركب البغال والحمير الإناث لما تدعوه الضرورة إليه من الجولان في السراديب القصيرة، والطلوع على الزلاقات إلى أعلى المناظر والمساكن، وله - للخليفة - في الليل نسوة برسم شد ما يحتاج إليه ركوبه من البغال والحمير.»
وقال الباحث الفاضل علي بك بهجت أمين دار الآثار العربية في حواشيه لكتاب «قانون ديوان الرسائل»: «... كان الخلفاء «الفواطم» متى أحبوا الخروج من قصورهم للتنزه إما في البساتين المجاورة للقاهرة، أو للتفرج على الخليج مدة زيادة النيل، أو الذهاب للجامع الأزهر في ليالي الوقود؛ يسلكون إليها في سراديب مبنية تحت الأرض، راكبين حميرا قصيرة يشدها لهم النساء. وقد عثر منذ سنتين بعض سكان حارة بين السيارج، بينما كان يحفر بئرا في منزله، على سرداب من هذه السراديب. ولما دعيت لمشاهدته ونزلت فيه، وجدته قبوا منخفضا عن أرض الحارة بنحو عشرة أمتار يتجه من الشرق إلى الغرب، وسلكت فيه قليلا، فعرفت أنه السرداب الذي كان يؤدي بالسالك إلى منظرة اللؤلؤة، التي كانت على الخليج في هذه الجهة.»
وقال ابن إياس نقلا عن ابن المسبحي: «إن المعز - رأس الدولة الفاطمية في مصر - كان يميل إلى علم الفلك، فأخبره جماعة من المنجمين بأن عليه قطعا شديدا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا، ثم أشاروا عليه بأن يختفي في سرب نحو أربعة أشهر، فلما طالت غيبته على جنده ظنوا أنه قد رفع إلى السماء، فكان الفارس من عسكره إذا نظر إلى الغمام في السماء ينزل عن فرسه، ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فلم يزالوا على ذلك حتى ظهر من ذلك السرب، وجلس على سرير ملكه، وهم يحسبون أنه كان في السماء وأتى إليهم.»
ومع ما عرف عن العلامة المقريزي
2
من التدقيق في الرواية عن كل ما وقعت عليه عيناه، أو سمعت به أذناه، فإنه لم يذكر السراديب إلا عرضا، فقال إنه بعد خراب القاهرة، وانطماس معالم الفاطميين، اتخذها الأهالي مقرا يصرفون إليه فضلاتهم وأقذارهم.
وقال لي الأستاذ يوسف أفندي أحمد - المفتش في لجنة الآثار العربية - إنه عندما شرع في حفر مصارف العاصمة، عثر على كثير من أجزاء السراديب، ودقق الباحثون في فحصها، فلم يوجد فيها شيء يستحق الأهمية من الوجهة الفنية.
صفحه نامشخص