رساله در فضیلت اندلس و یادی از مردان آن
رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها
پژوهشگر
د. صلاح الدين المنجد
ناشر
دار الكتاب الجديد
شماره نسخه
الأولى، 1968م
رسالة ابن الربيب إلى ابن حزم يعيب أهل الأندلس
قال المقري وقد رأيت أن أذكر رسالة أبي محمد بن حزم الحافظ التي ذكر فيها بعض فضائل علماء الأندلس لاشتمالها على ما نحن بصدده وذلك أنه كتب ابو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن الربيب التميمي القيرواني إلى أبي المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن حزم يذكر تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضائلهم وسير ملوكهم ما صورته كتبت يا سيدي واجل عددي كتب الله تعالى لك السعادة وأدام لك العز والسيادة سائلا مسترشدا وباحثا مستخبرا وذلك أني فكرت في بلادكم إذ كانت قرارة كل فضل ومنهل كل خير ونبل ومصدر كل طرفة ومورد كل تحفة وغاية آمال الراغبين ونهاية أماني الطالبين ان بارت تجارة فإليها تجلب وان كسدت بضاعة ففيها تنفت مع كثرة علمائها ووفور أدبائها وجلالة ملوكها ومحبتهم في العلم وأهله يعظمون من عظمه علمه ويرفعون من رفعه أدبه وكذلك سيرتهم في رجال الحرب يقدمون من قدمته شجاعته وعظمت في الحروب نكايته فشجع الجبان وأقدم الهيبان ونبه الخامل وعلم الجاهل ونطق العيي وشعر البكي
صفحه ۱
واستنسر البغاث وتثعبن الحفاث فتنافس الناس في العلوم وكثر الحذاق بجميع الفنون ثم هم مع ذلك في غاية التقصير ونهاية التفريط من أجل أن علماء الأمصار دونوا فضائل أمصارهم وخلدوا في الكتب مآثر بلدانهم وأخبار الملوك والأمراء والكتاب والوزراء والقضاة والعلماء فابقوا لهم ذكرا في الغابرين يتجدد على مر الليالي والأيام ولسان صدق في الآخرين يتأكد مع تصرف الأعوام وعلماؤكم مع استظهارهم على العلوم كل امرىء منهم قائم في ظله لا يبرح وراتب على كعبه لا يتزحزح يخاف ان صنف ان يعنف وان الف ان يخالف ولا يؤالف أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق لم يتعب أحد منهم نفسا في جمع فضائل أهل بلده ولم يستعمل خاطره في مفاخر ملوكه ولا بل قلما بمناقب كتابه ووزرائه ولا سود قرطاسا بمحاسن قضاته وعلمائه على أنه لو اطلق ما عقل الاغفال من لسانه وبسط ما قبض الاهمال من بيانه لوجد للقول مساغا ولم تضق عليه المسالك ولم تخرج به المذاهب ولا اشتبهت عليه المصادر والموارد ولكن هم أحدهم أن يطلب شأو من تقدمه من العلماء ليحوز قصبات السبق ويفوز بقدح ابن مقبل ويأخذ بكظم دغفل ويصير شجا في حلق أبي العميثل فإذا أدرك بغيته واخترمته منيته دفن معه ادبه وعلمه فمات ذكره وانقطع خبره ومن قدمنا ذكره من علماء الأمصار احتالوا لبقاء ذكرهم احتيال الأكياس فالفوا دواوين بقي لهم بها ذكر مجدد طول الأبد
فإن قلت إنه كان مثل ذلك من علمائنا وألفلوا كتبا لكنها لم تصل الينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق لأنه ليس بيننا وبينكم غير روحة راكب أو رحلة قارب لو نفث من بلدكم مصدور
صفحه ۲
لأسمع من ببلدنا في القبور فضلا عمن في الدور والقصور وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان أحمد بن عبد ربه الذي سماه بالعقد على أنه يلحقه فيه بعض اللوم لا سيما إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده ومناقب ملوكه يتيمه سلكه أكثر الحز وأخطا المفصل واطال الهز لسيف غير مقصل وقعد به ما قعد بأصاحبه من ترك ما يعنيهم واغفال ما يهمهم
فأرشد أخاك ارشدك الله واهده هداك الله ان كانت عندك في ذلك الجليه وبيدك فصل القضية والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
صفحه ۳
رسالة أبي محمد ابن حزم في فضائل الأندلس
فكتب الوزير الحافظ ابو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم عند وقوفه على هذه الرسالة ما نصه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى اصحابه الاكرمين وازواجه امهات المؤمنين وذريته الفاضلين الطيبين
اما بعد يا أخي يا ابا بكر سلام عليك سلام أخ مشوق طالت بينه وبينك الأميال والفراسخ وكثرت الأيام والليالي ثم لقيك في حال سفر ونقلة ووادك في خلال جولة ورحلة فلم يقض من محاورتك اربا ولا بلغ في مجاورتك مطلبا واني لما احتللت بك وجالت يدي في مكنون كتبك ومضمون دواوينك لمحت عيني في تضاعيفها درجا فتأملته فإذا فيه خطاب لبعض الكتاب من مصاقبينا في الدار أهل افريقية ثم ممن ضمته حاضرة قيروانهم إلى رجل اندلسي لم يعينه باسمه ولا ذكره بنسبه يذكر له فيها ان علماء بلدنا بالأندلس وان كانوا على الذروة العليا من التمكن بافانين العلوم وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف فان هممهم قد قصرت عن تخليد مآثر بلدهم ومكارم ملوكهم ومحاسن
صفحه ۴
فقهائهم ومناقب قضاتهم ومفاخر كتابهم وفضائل علمائهم ثم تعدى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منا من أن يكون لهم تاليف يحيى ذكرهم ويبقي علمهم بل قطع ان كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه وحقق ظنه في ذلك واستدل على صحته عند نفسه بأن شيئا من هذه التآليف لو كان بيننا موجودا لكان اليهم منقولا وعندهم ظاهرا لقرب المزار وكثرة السفار وترددهم اليهم وتكررهم علينا ثم لما ضمنا المجلس الحافل بأصناف الاداب والمشهد الآهل بانواع العلوم والقصر المعمور بانواع الفضائل والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني وجليل المعالي قرارة المجد ومحل السؤدد ومحط رحال الخائفين وملقى عصا التسيار عند الرئيس الاجل الشريف قديمه وحسبه الرفيع حديثه ومكتسبه الذي اجله عن كل خطة يشركه فيها من لا توازي قومته نومته ولا ينال حضره هويناه واربى به عن كل مرتبة يلحقه فيها من لا يسو إلى المكارم سموه ولا يدنو من المعالي دنوه ولا يعلو في حميد الخلال علوه بل اكتفي من مدحه باسمه المشهور واجتزي من الاطالة في تقريظه بمنتماه المذكور فحسبي بذينك العلمين دليلا على سعيه المشكور وفضله المشهور أبي عبد الله محمد بن قاسم صاحب البونت اطال الله بقاءه وادام اعتلاءه ولا عطل الحامدين من تحليهم بحلاه ولا أخلى الأيام من تزينها بعلاه فرأيته اعزه الله تعالى حريصا على ان يجاوب هذا المخاطب وراغبا في ان يبين له ما لعله قد راه فنسى أو بعد عنه فخفى فتناولت الجواب المذكور بعد ان بلغني ان ذلك المخاطب قد مات رحمنا الله تعالى واياه فلم يكن لقصده بالجواب معنى وقد صارت المقابر له مغنى فلسنا
صفحه ۵
بمسمعين من في القبور فصرفت عنان الخطاب اليك إذ من قبلك صرت إلى الكتاب المجاوب عنه ومن لدنك وصلت الي الرسالة المعارضة وفي وصول كتابي على هذه الهيئة حيثما وصل كفاية لمن غاب عنه من أخبار تآليف أهل بلدنا مثل ما غاب عن هذا الباحث الأول ولله الامر من قبل ومن بعد وان كنت في أخباري اياك بما ارسمه في كتأبي هذا كمهد إلى البركان نار الحباحب وباني صوى في مهيع القصد اللاحب فانك وان كنت المقصود والمواجه فإنما المراد من أهل تلك الناحية من نأى عنه علم ما استجلبه السائل الماضي وما توفيقي إلا بالله سبحأنه
فأما مآثر بلدنا فقد الف في ذلك أحمد بن محمد الرازي التاريخي كتبا جمة منها كتاب ضخم ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها وامهات مدنها واجنادها الستة وخواص كل بلد منها وما فيه مما ليس في غيره وهو كتاب مريح مليح وأنا اقول لو لم يكن لاندلسنا الا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر به ووصف اسلافنا المجاهدين فيه بصفات الملوك على الاسرة في الحديث الذي رويناه من طريق أبي حمزة انس بن مالك ان خالته ام حرام بنت ملحان زوج أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وعنهم اجمعين حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها بذلك لكفى شرفا بذلك يسر عاجله ويغبط آجله
فإن قال قائل لعله صلوات الله تعالى عليه انما عنى بذلك الحديث أهل صقليه واقريطش وما الدليل على ما ادعيته من أنه صلى الله عليه وسلم عنى الأندلس حتما ومثل هذا من التأويل لا يتساهل
صفحه ۶
فيه ذو ورع دون برهان واضح وبيان لائح لا يحتمل التوجيه ولا يقبل التجريح
فالجواب وبالله التوفيق أنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم وفضل الخطاب وأمر بالبيان لما أوحى اليه وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من امته يركبون ثبج البحر غزاة وأحدة بعد وأحدة فسالته ام حرام ان يدعو ربه تعالى ان يجعلها منهم فأخبرها صلى الله عليه وسلم وخبره الحق بأنها من الأولين وهذا من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو إخباره بالشيء قبل كونه وصح البرهان على رسالته بذلك وكانت من الغزاة إلى قبرس وخرت عن بغلتها هناك فتوفيت رحمها الله تعالى وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر فثبت يقينا ان الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانت ام حرام منهم كما أخبر صلوات الله تعالى وسلامه عليه ولا سبيل ان يظن به وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان أنه يذكر طائفتين قد سمى أحدهما أولى الا والتالية لها ثانية فهذا من باب الاضافة وتركيب العدد وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق إذ لا تكون الأولى أولى الا لثانية ولا الثانية ثانية الا لأولى فلا سبيل إلى ذكر ثالث الا بعد ثان ضرورة وهو صلى الله عليه وسلم انما ذكر طائفتين وبشر بفئتين وسمى أحداهما الأولين فاقتضى ذلك بالقضاء الصدق آخرين والآخر من الأول هو الثاني الذي أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير القرون بعد قرنه أولى القرون بكل فضل بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خير من كل قرن بعده ثم ركب البحر بعد ذلك أيام سليمان بن عبد الملك
صفحه ۷
إلى القسطنطينية وكان الأمير بها في تلك السفن هبيرة الفزاري وأما صقلية فأنها فتحت صدر أيام الاغالبة سنة 212 أيام قاد اليها السفن غازيا اسد بن الفرات القاضي صاحب أبي يوسف رحمه الله تعالى وبهامات وأما اقريطش فإنها فتحت بعد الثلاث والمائتين افتتحها ابو حفص عمر بن شعيب المعروف بابن الغليظ من أهل قرية بطروج من عمل فحص البلوط المجأور لقرطبة من بلاد الأندلس وكان من فل الربضيين وتداولها بنوه بعده إلى ان كان أخرهم عبد العزيز بن شعيب الذي غنمها في أيام ارمانوس بن قسطنطين ملك الروم سنة 350 وكان أكثر المفتتحين لها أهل الأندلس
وأما في قسم الأقاليم فإن قرطبة مسقط رؤوسنا ومعق تمائمنا مع سر من رأى في اقليم وأحد فلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه اقليمنا وإن كانت الأنوار لا تأتينا إلا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور وذلك عند المحسنين للأحكام التي تدل عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها فلها من ذلك على كل حال حظ يفوق حظ أكثر البلاد بارتفاع أحد النيرين بها تسعين درجة وذلك من أدلة التمكن في العلوم والنفاذ فيها عند من ذكرنا وقد صدق ذلك الخبر وابانته التجربة فكان أهلها من التمكن في علوم القراآت والروايات وحفظ كثير من الفقه والبصر بالنحو والشعر واللغة والخبر والطب والحساب والنجوم بمكان رحب الفناء واسع العطن متنائي الاقطار فسيح المجال والذي نعاه علينا الكاتب المذكور لو كان كما ذكر لكنا فيه شركاء لأكثر أمهات الحواضر وجلائل البلاد ومتسعات الأعمال فهذه القيروان بلد المخاطب لنا ما أذكر أني رأيت في أخبارها تأليفا غير المعرب عن أخبار المغرب وحاشى تآليف محمد بن يوسف الوراق فإنه ألف للمسنتصر رحمه شالله تعالى في
صفحه ۸
مسالك افريقية وممالكها ديوأنا ضخما وفي أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين عليهم كتبا جمة وكذلك الف أيضافي أخبار تيهرت ووهران وتونس وسجلماسة ونكور والبصرة وغيرها تآليف حسأنا ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع آباؤه من وادي الحجارة ومدفنه بقرطبة وهجرته إليها وإن كانت نشأته بالقيروان
ولابد من إقامة الدليل على ما أشرت اليه هنا إذ مرادنا ان نأتي منه بالمطلوب فيما يستانف ان شاء الله تعالى وذلك ان جميع المؤرخين من ائمتنا السالفين والباقين درن محاشاة أحد بل قد تيقنا اجماعهم على ذلك متفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرته التي استقر بها ولم يرحل عنها رحيل ترك لسكناها إلى أن مات فان ذكروا الكوفيين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم صدروا بعلي وابن مسعود وحذيفة رضي الله تعالى عنهم وانما سكن علي الكوفة خمسة أعوام واشهرا وقد بقي 58 عاما وأشهرا بمكة والمدينة شرفهما الله تعالى وكذلك أيضا أكثر اعمار من ذكرنا وان ذكروا البصريين بدؤا بعمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر وأبي بكرة وهؤلاء مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف وجمهرة أعمارهم حلت هنالك وان ذكروا الشاميين نوهوا بعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية والامر في هؤلاء كالامر فيمن قبلهم وكذلك في المصريين عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة العدوي وفي المكيين عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والحكم في هؤلاء كالحكم فيمن قصصنا فمن هاجر الينا من سائر البلاد فنحن احق به وهو منا بحكم جميع أولى الامر منا الذين أجماعهم فرض اتباعه وخلافه محرم اقترافه ومن هاجر منا إلى غيرنا فلا حظ لنا فيه والمكان
صفحه ۹
الذي أختاره اسعد به فكما لا ندع اسماعيل بن القاسم فكذلك لا ننازع في محمد بن هانيء سوأنا والعدل أولى ما حرص عليه والنصف افضل ما دعي اليه بعد التفصيل الذي ليس هذا موضوعه وعلى ما ذكرنا من الإنصاف تراضي الكل
وهذه بغداد حاضرة الدنيا ومعدن كل فضيلة والمحلة التي سبق أهلها إلى حمل ألوية المعارف والتدقيق في تصريف العلوم ورقة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاذ الخواطر وهذه البصرة وهي عين المعمور في كل ما ذكرنا وما اعلم في أخبار بغداد تأليفا غير كتاب أحمد بن أبي طاهر وأما سائر التواريخ التي الفها أهلها فلم يخصوا بلدتهم بها دون سائر البلاد ولا اعلم في أخبار البصرة غير كتاب عمر بن شبة وكتاب لرجل من ولد الربيع بن زياد المنسوب إلى أبي سفيان في خطط البصرة وقطائعها وكتابين لرجلين من أهلها يسمى أحدهما عبد القادر كريزي النسب في وصفها وذكرا أسواقها ومحالها وشوارعها ولا اعلم في أخبار الكوفة غير كتاب عمر بن شبة وأما الجبال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسند وارمينية وإذربيجان وتلك الممالك الكثيرة الضخمة فلا اعلم في شيء منها تاليفا قصد به أخيار ملوك تلك النواحي وعلمائها وشعرائها واطبائها ولقد تاقت النفوس إلى ان يتصل بنا تاليف في أخبار فقهاء بغداد وما علمناه علم على أنهم العلية الرؤساء والاكابر العظماء ولو كان في شيء من ذلك تأليف لكان الحكم في الاغلب ان يبلغنا كما بلغ سائر تآليفهم وكما بلغنا كتاب حمزة بن الحسن الأصبهاني في أخبار اصبهان وكتاب الموصلي وغيره في أخبار مصر وكما بلغنا سائر تآليفهم في انحاء العلوم وقد بلغنا تاليف القاضي أبي العباس محمد بن عبدون القيرواني في
صفحه ۱۰
الشروط واعتراضه على الشافعي رحمه الله تعالى وكذلك بلغنا رد القاضي أحمد بن طالب التميمي على أبي حنيفة وتشنيعه على الشافعي وكتب ابن عبدوس ومحمد بن سحنون وغير ذلك من خوامل تآليفهم دون مشهورها
وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر ازهد الناس في عالم اهله وقرأت في الانجيل ان عيسى عليه السلام قال لا يفقد النبي حرمته الا في بلده وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قريش وهم أوفر الناس احلاما واصحهم عقولا واشدهم تثبتا مع ما خصوا به من سكناهم افضل البقاع وتغذيتهم باكرم المياه حتى خص الله تعالى الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها عن جميع الناس والله يؤتي فضله من يشاء
ولا سيما اندلسنا فإنها خصت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم واستقلالهم كثير ما يأتي به واستهجأنهم حسناته وتتبعهم سقطاته وعثراته وأكثر ذلك مدة حياته باضعاف ما في سائر البلاد ان اجاد قالوا سارق مغير ومنتحل مدع وان توسط قالوا غث بارد وضعيف ساقط وان باكر الحيازة لقصب السبق قالوا متى كان هذا ومتى تعلم وفي أي زمان قرأ ولأمه الهبل وبعد ذلك ان ولجت به الأقدار أحد طريقين اما شفوفا بائنا يعليه على نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي الوطيس على البائس وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب اليه ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إلى عرضه وربما نحل ما لم يقل وطوق مالم يتقلد والحق به مالم يفه به ولا اعتقده قلبه وبالحرى وهو السابق المبرز ان لم يتعلق من السلطان بحظ ان يسلم من المتالف وينجو من المخالف فإن تعرض
صفحه ۱۱
لتأليف غمز ولمز وتعرض وهمز واشتط عليه وعظم يسير خطبه واستشنع هين سقطه وذهبت محاسنه وسترت فضائله وهتف ونودي بما اغفل فتنكسر لذلك همته وتكل نفسه وتبرد حميته وهكذا عندنا نصيب من ابتدأ يحوك شعرا أو يعمل بعمل رياسة فإنه لا يفلت من هذه الحبائل ولا يتخلص من هذه النصب إلا الناهض الفائت والمطفف المستولي على الأمد
وعلى ذلك فقد جمع ما ظنه الظان غير مجموع والفت عندنا تآليف في غاية الحسن لنا خطر السبق في بعضها فمنها كتاب الهداية لعيسى بن دينار وهي ارفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك وابن القاسم وأجمعها للمعاني الفقهية على المذهب فمنها كتاب الصلاة وكتاب البيوع وكتاب الجدار في الاقضية وكتاب النكاح والطلاق ومن الكتب المالكية التي ألفت بالأندلس كتاب القصي مالك بن علي وهو رجل قرشي من بني فهر لقي اصحاب مالك واصحاب اصحابه وهو كتاب حسن فيه غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات ومنها كتاب أبي اسحاق إبراهيم بن مزين في تفسير الموطأ والكتب المستقصية لمعاني الموطأ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابن مزين أيضاوكتابه في رجال الموطأ وما لمالك عن كل وأحد منهم من الآثار في موطئه
وفي تفسير القرآن كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد فهو الكتاب الذي اقطع قطعا لا استثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام تفسير مثله ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره
ومنها في الحديث مصنفه الكبير الذي رتبه على اسماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم فروي فيه الف وثلثمائة صاحب ونيف ثم رتب حديث كل صاحب على اسماء الفقه وابواب الأحكام فهو مصنف ومسند
صفحه ۱۲
وما اعلم هذه الرتبة لأحد قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه فإنه روى عن مائتي رجل واربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء وسائرهم اعلام مشاهير ومنها مصنفه في فضل الصحابة والتابعين ومن دونهم الذي اربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق بن همام ومصنف سعيد بن منصور وغيرها وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه فصارت تآليف هذا الامام الفاضل قواعد الإسلام لا نظير لها وكان متخيرا لا يقلد أحدا وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه
ومنها في احكام القرآن كتاب ابن أمية الحجاري وكان شافعي المذهب بصيرا بالكلام على أختياره وكتاب القاضي أبي الحكم منذر ابن سعيد وكان دأودي المذهب قويا على الانتصار له وكلاهما في احكام القرآن غاية ولمنذر مصنفات منها كتاب الابانة عن حقائق اصول الديانة ومنها في الحديث مصنف أبي محمد قاسم بن اصبغ بن يوسف بن ناصح ومصنف محمد بن عبد الملك بن ايمن وهما مصنفان رفيعان احتويا من صحيح الحديث وغريبه على ما ليس في كثير من المصنفات ولقاسم بن اصبغ هذا تآليف حسان جدا منها احكام القرآن على ابواب كتاب اسماعيل وكلامه ومنها كتاب المجتبي على ابواب كتاب ابن الجارود المنتقى وهو خير منه وانقى حديثا واعلى سندا وأكثر فائدة ومنها كتاب في فضائل قريش وكنانة وكتابه في الناسخ والمنسوخ وكتاب غرائب حديث مالك بن انس مما ليس في الموطأ ومنها كتاب التمهيد لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر وهو الآن بعد في الحياة لم يبلغ سن الشيخوخة وهوكتاب
صفحه ۱۳
لا اعلم في الكلام على فقه الحديث مثله اصلا فكيف احسن منه ومنها كتاب الاستذكار وهو أختصار التمهيد المذكور ولصاحبنا أبي عمر بن عبد البر المذكور كتب لا مثيل لها منها كتابه المسمى بالكافي في الفقه على مذهب مالك واصحابه خمسة عشر كتابا اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة اليه وبوبه وقربه فصار مغنيا عن التصنيفات الطوال في معناه ومنها كتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدمين مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك ومنها كتاب الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلاء والحجة لكل واحد منهما ومنها كتاب بهجة المجالس وانس المجالس مما يجري في المذكرات من غرر الأبيات ونوادر الحكايات ومنها كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته
ومنها كتاب شيخنا القاضي أبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن الفرضي في المختلف والمؤتلف في اسماء الرجال ولم يبلغ عبد الغني الحافظ البصري في ذلك إلا كتابين وبلغ ابو الوليد رحمه الله تعالى نحو الثلاثين لا اعلم مثله في فنه البتة ومنها تاريخ أحمد بن سعيد ما وضع في الرجال أحد مثله إلا ما بلغنا من تاريخ محمد بن موسى العقيلي البغدادي ولم أره وأحمد بن سعيد هو المتقدم في التاليف القائم في ذلك ومنها كتب محمد بن يحيى بن مفرج القاضي وهي كثيرة منها اسفار سبعة جمع فيها فقه الحسن البصري وكتب كثيرة جمع فيها فقه الزهري
ومما يتعلق بذلك شرح الحديث لعامر بن خلف السرقسطي فما شآه ابو عبيدة الا بتقدم العصر فقط
ومنها في الفقه الواضحة والمالكيون لا تمانع بينهم في فضلها
صفحه ۱۴
واستحسأنهم اياها ومنها المستخرجة من الاسمعة وهي المعروفة بالعتبية ولها عند أهل افريقية القدر العالي والطيران الحثيث والكتاب الذي جمعه ابو عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام الإشبيلي المعروف بابن الكوى والقرشي ابو مروان المعيطي في جمع اقاويل مالك كلها على نحو الكتاب الباهر الذي جمع فيه القرضي ابو بكر محمد بن أحمد بن الحداد البصري اقاويل الشافعي كلها ومنها كتاب المنتخب الذي الفه القاضي محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة وما رأيت لمالكي قط كتابا انبل منه في جمع روايات المذهب وشرح مستغلقها وتفريع وجوهها وتآليف قاسم بن محمد المعروف بصاحب الوثائق وكلها حسن في معناه وكان شافعي المذهب نظارا جاريا في ميدان البغداديين
ومنها في اللغة الكتاب البارع الذي الفه اسماعيل بن القاسم يحتوي على لغة العرب وكتابه في المقصور والممدود والمهموز لم يؤلف مثله في بابه وكتاب الافعال لمحمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية بزيادات ابن طريف مولي العبيديين فلم يوضع في فنه مثله وكتاب جمعه ابو غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني في اللغة لم يؤلف مثله أختصارا واكثارا وثقة نقل وهو اظن في الحياة بعد
وههنا قصة لا ينبغي ان تخلو رسالتنا منها وهي ان ابا الوليد عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بابن القاضي حدثني ان ابا الجيش مجاهدا صاحب الجزائر ودانية وجه إلى أبي غالب أيام غلبته على مرسية وابوغالب ساكن بها الف دينار اندلسية على ان يزيد في ترجمة الكتاب المذكور مما الفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد فرد الدنانير وابى من ذلك ولم يفتح في هذا بابا البتة وقال والله لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلت ولا استجزت الكذب لأني لم اجمعه له خاصة بل لكل طالب فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها
صفحه ۱۵
واعجب لنفس هذا العالم
ومنها لكتاب أحمد بن ابان بن سيد في اللغة المعروف بكتاب العالم نحو مائة سفر على الاجناس في غاية الإيعاب بدأ بالفلك وختم بالذرة وكتاب النوادر لأبي علي اسماعيل ببن القاسم وهو مبار لكتاب الكامل لأبي العباس المبرد ولعمري لئن كان كتاب أبي العباس أكثر نحوا وخبرا فان كتاب أبي على لأكثر لغة وشعرا وكتاب الفصوص لصاعد بن الحسن الربعي وهو جار في مضمار الكتأبين المذكورين
ومن الانحاء تفسير الحوفي لكتاب الكسائي حسن في معناه وكتاب ابن سيدة في ذلك المنبوذ بالعالم والمتعلم وشرح له كتاب الأخفش
ومما الف في الشعر كتاب عبادة بن ماء السماء في أخبار شعراء الأندلس كتاب حسن وكتاب الحدائق لأبي عمر أحمد بن فرج عارض به كتاب الزهرة لأبي بكر محمد بن داود رحمه الله تعالى إلا ان ابا بكر انما ادخل مائة باب في كل باب مائة بيت وابو عمر أورد مائتي باب في كل باب مائة بيت ليس منها باب تكرر اسمه لأبي بكر ولم يورد فيه لغير اندلسي شيئا واحسن الاختيار ما شاء واجاد فبلغ الغاية واتى الكتاب فردا في معناه ومنها كتاب التشبيهات من اشعار أهل الأندلس جمعه ابو الحسن على بن محمد بن أبي الحسن الكاتب وهو حي بعد ومما يتعلق بذلك شرح أبي القاسم ابراهيم بن محمد بن الإفليلي لشعر المتنبي وهو حسن جدا
صفحه ۱۶
ومن الأخبار تواريخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي في أخبار ملوك الأندلس وخدمتهم وغزواتهم ونكباتهم وذلك كثير جدا وكتاب له في صفة قرطبة وخططها ومنازل الاعيان بها على نحو ما بدا به ابن أبي طاهر في أخبار بغداد وذكر منازل صحابة أبي جعفر المنصور بها وتواريخ متفرقة رأيت منها أخبار عمر بن حفصون القائم برية ووقائعه وسيره وحروبه وتاريخ آخر في أخبار عبد الرحمن بن مروان الجليقي القائم بالحوف وفي أخبار بني قيس والتجيبيين وبني الطويل الثغر وقد رأيت من ذلك كتبا مصنفة في غاية الحسن وكتاب مجزأ في اجزاء كثيرة في أخبار رية وحصونها وحروبها وفقهائها وشعرائها تألبف اسحاق بن سلمة بن اسحاق الليثي وكتاب محمد بن الحارث الخشني في أخبار القضاة بقرطبة وسائر بلاد الأندلس وكتاب في أخبار الفقهاء بها وكتاب لأحمد بن محمد بن موسى في انساب مشاهير أهل الأندلس في خمسة اسفار ضخمة من احسن كتاب في الانساب وأوسعها وكتاب قاسم بن اصبغ في الانساب في غية اللحسن والايعاب والإيجاز وكتابه في فضائل بني أمية وكان من الثقة والجلالة بحيث اشتهر امره وانتشر ذكره ومنها كتب مؤلفة في اصحاب المعاقل والاجناد الستة بالأندلس ومنها كتب كثيرة جمعت فيها أخبار شعراء أهل الأندلس للمستنصر رحمه الله تعالى رأيت منها أخبار شعراء إلبيرة في نحو عشرة اجزاء ومنها كتاب الطوالع في انساب أهل الأندلس ومنها كتاب التاريخ الكبير في أخبار أهل الأندلس تاليف أبي مروان بن حيان نحو عشرة اسفار من اجل كتاب الف في هذا المعنى وهو في الحياة بعد لم يتجأوز الاكتهال وكتاب المآثر العامرية لحسين بن عاصم النحوي في طبقات الكتاب بالأندلس وكتاب سكن بن سعيد في ذلك وكتاب أحمد بن فرج في المنتزين والقائمين بالأندلس وأخبارهم وكتاب
صفحه ۱۷
أخبار اطباء الأندلس لسليمان بن جلجل
وأما الطب فكتب الوزير يحيى بن اسحاق وهي كتب حسان رفيعة وكتب محمد بن الحسن المذحجي استاذنا رحمه الله تعالى وهو المعروف بابن الكتابي وهي كتب رفيعة حسان وكتاب التصريف لأبي القاسم خلف بن عباس الزهرأوي وقد أدركناه وشاهدناه ولئن قلنا أنه لم يؤلف في الطب اجمع منه ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع لنصدقن وكتب ابن الهيثم في الخواص والسموم والعقاقير من اجل الكتب وانفعها
وأما الفلسفة فاني رأيت فيها رسائل مجموعة وعيونا مؤلفة لسعيد بن فتحون السرقسطي المعروف بالحمار دالة على تمكنه من هذه الصناعة وأما رسائل استاذنا أبي عبد الله محمد بن الحسن المذحجي في ذلك فمشهورة متدأولة وتامة الحسن فائقة الجودة عظيمة المنفعة
وأما العدد والهندسة فلم يقسم لنا في هذا العلم نفاذ ولا تحققنا به فلسنا نثق في بأنفسنا في تمييز المحسن من المقصر في المؤلفين فيه من أهل بلدنا إلا اني سمعت من اثق بعقله ودينه من أهل العلم ممن اتفق على رسوخه فيه يقول أنه لم يؤلف في الازياج مثل زيج مسلمة وزيج ابن السمح وهما من أهل بلدنا وكذلك كتاب المساحة المجهولة لأحمد بن نصر فما تقدم إلى مثله في معناه
وانما ذكرنا التاليف المستحقة للذكر والتي تدخل تحت الاقسام السبعة التي لا يؤلف عاقل عالم الا في أحدها وهي اما شيء يخترعه لم يسبق اليه أو شيء ناقص يتمه أو شيء مستغلق يشرحه أو شيء طويل يختصره دون ان يخل بشيء من معانيه أو شيء متفرق
صفحه ۱۸
يجمعه أو شيء مختلط يرتبه أو شيء أخطأ فيه صاحبه يصلحه
وأما التاليف المقصرة عن مراتب غيرها فلم نلتفت إلى ذكرها وهي عندنا من تاليف أهل بلدنا اكطثر من ان نحيط بعلمها
وأما علم الكلام فان بلادنا وان كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ولا أختلفت فيها النحل فقل لذلك تصرفهم في هذا الباب فهي على كل حال غير عرية عنه وقد كان فيهم قوم يذهبون إلى الاعتزال نظار على اصوله ولهم فيه تاليف منهم خليل بن اسحاق ويحيى بن السمينة والحاجب موسى بن حدير وأخوه الوزير صاحب المظالم أحمد وكان داعيه إلى الاعتزال لا يستتر بذلك ولنا على مذهبنا الذي تخيرناه من مذاهب اصحاب الحديث كتاب في هذا المعنى وهو وان كان صغير الجرم قليل عدد الورق يزيد على المائتين زيادة يسيره فعظيم الفائدة لأنا اسقطنا فيه المشاغب كلها واضربنا عن التطويل جملة واقتصرنا على البراهين المنتخبة من المقدمات الصحاح الراجعة إلى شهادة الحس وبديهة العقل بالصحة ولنا فيما تحققنا به تآليف جمة منها ما قد تم ومنها ما شارف التمام ومنها ما قد مضى منه صدر ويعين الله تعالى على باقيه لم نقصد به قصد مباهاة فنذكرها ولا اردنا السمعة فنسميها والمراد بها ربنا جل وجهه وهو ولي العون فيها والملي بالمجازاة عليها وما كان لله تعالى فسيبدو وحسبنا الله ونعم الوكيل
وبلدنا هذا على بعده من ينبوع العلم ونأية من محلة العلماء فقد ذكرنا من تآليف اهله ما ان طلب مثلها بفارس والاهواز وديار مضر وديار ربيعة واليمن والشام اعوز وجود ذلك على قرب المسافة في هذه البلاد من العراق التي هي دار هجرة الفهم وذويه ومراد المعارف واربابها
صفحه ۱۹
ونحن إذا ذكرنا ابا الأجرب جعونة بن الصمة الكلابي في الشعر لم نباه به إلا جريرا والفرزدق لكونه في عصرهما ولو انصف لاستشهد بشعره فهو جار على مذهب الأوائل لا على طريقة المحدثين وإذا سمينا بقي بن مخلد لم نسابق به إلا محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وسليمان بن الأشعث السجستاني وأحمد بن شعيب النسائي وإذا ذكرنا قاسم بن محمد لم نباه به الا القفال ومحمد بن عقيل الفريابي وهو شريكهما في صحبة المزني أبي إبراهيم والتتلمذ له وإذا نعتنا عبد الله بن قاسم بن هلال ومنذر بن سعيد لم نجار بهما الا ابا الحسن ابن المفلس والخلال والديباجي ورويم بن أحمد وقد شاركهم عبد الله في أبي سليمان وصحبته وإذا اشرنا إلى محمد بن عمر بن لبابة وعمه محمد بن عيسى وفضل بن سلمة لم نناطح بهم الا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومحمد بن سحنون ومحمد بن عبدوس وإذا صرحنا بذكر محمد بن يحيى الرياحي وأبي عبد الله محمد بن عاصم لم يقصرا عن اكابر اصحاب محمد بن يزيد المبرد
ولو لم يكن لنا من فحول الشعراء الا أحمد بن محمد بن دراج القسطلي لما تأخر عن شأو بشار وحبيب والمتنبي فكيف ولنا معه جعفر بن عثمان الحاجب وأحمد بن عبد الملك بن مروان واغلب بن شعيب ومحمد بن شخيص وأحمد بن فرج وعبد الملك بن سعيد المرادي وكل هؤلاء فحل يهاب جانبه وحصان ممسوح الغرة
ولنا من البلغاء أحمد بن عبد الملك بن شهيد صديقنا وصاحبنا وهو حي بعد لم يبلغ سن الاكتهال وله من التصرف في وجوه البلاغة وشعابها مقدار يكاد ينطق فيه بلسان مركب من لساني عمرو وسهل ومحمد بن عبد الله بن مسرة في طريقه التي سلك فيها وان كنا لا
صفحه ۲۰