من الكنائس ونحن نرضى بأخذه بقية هذه الكنيسة ثم أمر بإحضار آلات الهدم واجتمع إليه الأمراء والكبراء ورؤوس الناس وجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من هدم هذه الكنيسة يجن فقال : إني أحب أن أجن في الله والله لا يهدم فيها أحد قبلي ثم صعد المنارة الغربية ذات الأضالع المعروفة اليوم بالساعات فكانت صومعة فإذا فيها راهب فأمره بالنزول منها فأكبر الراهب ذلك وتلكأ فأخذ الوليد بقفاه ولم يزل يدفعه حتى أحدره منها ثم صعد الوليد على أعلى مكان في الكنيسة فوقع المذبح الأكبر الذي يسمونه الشاهد وأخذ أزيال قباه وكان لونه أصفر سفر جليا ففرزها في المنطقة ثم أخذ بيده فأسا فضرب به في أعلا حجر هناك فألقاه فتبار الأمراء إلى الهدم وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات وصرخت النصارى بالعويل والويل على درج جيرون وقد اجتمعوا هناك، فأمر الوليد أمير الشرطة وهو أبو أنايل رباح الغساني أن يضربهم حتى يذهبوا من هناك ففعل وهدم المسلمون جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المكان من المذابح والأبنية والحنايا، حتى بقي ساحة مربعة، ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على صفة حسنة لم يسبق إليها، واستعمل الوليد في بناء هذا المسجد على الصورة التي اخترعها خلقا من الصناع والمهندسين والفعلة، وكان المستحث على عمارته أخاه وولي عهده من بعد سليمان بن سليمان بن عبد الملك.
ويقال: إن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعا في الرخام وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد، وأرسل يتوعده إن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش، وليخربن كل كنيسة في بلاده حتى كنيسة القدس، وكنيسة الرها وسائر آثار الروم، فبعث ملك الروم صناعا كثيرا وكتب إليه يقول: إن كان أبوك فهم الذي صنعته وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يكن فهمه وفهمته أنت، فإنه لوصمة عليه فلما وصل الكتاب إلى الوليد أراد أن يجيبه عن ذلك واجتمع الناس عنده لذلك فكان فيهم الفرزدق الشاعر فقال: أنا أجيبه
صفحه ۳۳۰