فضائل مكة
شرفها الله تعالى
تأليف
أبي سعيد المفضل بن محمد الجندي
المتوفي سنة ٣٠٨ هـ
تحقيق
أبي عبيدة جودة محمد
يطبع لأول مرة
1 / 1
جميع الحقوق محفوظة للمحقق
الطبعة الأولى
١٤٤١ هـ
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
أولًا
مقدمة المحقق
وتشتمل على عدة فصول:
الفصل الأول: نبذة مختصرة عن أشهر المصنفات التي تحدثت عن مكة المكرمة شرفها الله.
الفصل الثاني: أهمية الكتاب.
الفصل الثالث: المنهج المتبع في تحقيق الكتاب.
الفصل الرابع: ترجمة الجندي.
الفصل الخامس: إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه.
الفصل السادس: ترجمة شيوخ الجندي الذين روى عنهم في كتابه هذا.
الفصل السابع: في ترجمة رواة هذا الكتاب عن المصنف.
الفصل الثامن: نماذج من النسخة الخطية.
1 / 5
الفصل الأول: نبذة مختصرة عن أشهر المصنفات التي تحدثت عن مكة المكرمة شرفها الله
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
1 / 7
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد.
فإن السكن في مكة ومجاورتها والحث على الترغيب فيها، والحديث عن تاريخها وفضائلها -شرفها الله تعالى-فيها من عظيم النعم من الله ﷿ ما لا يعلمه غيره سبحانه، فمن العلماء من ذهب إلى استحباب السكنى بمكة والمجاورة بها كالشافعي وأحمد وغيرهم؛ وذلك لما يحصل فيها من ثواب لا يحصل في غيرها، ولعل المختار من هذين القولين ما ذكره النووي وهو أن المجاورة بها مستحبة إلا لمن يغلب عليه الوقوع في المحذور (١)، ومن خصائصها شرفها الله تعالى أنها تمتاز عن سائر البلدان، فهي مهبط الوحي ونزول القرآن العظيم وابتداء ظهور الإسلام، وليس فيها إلا دين واحد هو الإسلام، وأنه يمنع دخول الكافر ودفنه فيها، ويحرم حمل السلاح فيها إلا لضرورة، وأنه يحرم صيدها على جميع الناس، وتضاعف الحسنات فيها، وكذا الصلوات في المسجد الحرام، وامتناعها على الدجال بخلاف سائر البلدان، ولا يدخلها الطاعون، ودعاء إبراهيم ﵇ لها بالبركة.
_________
(١) - الإيضاح في مناسك الحج والعمرة صـ ٤٠٣.
1 / 8
ويعد من فضائلها أيضا أنه يحرم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر البقاع؛ لقوله ﷺ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» متفق عليه (١)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ، فَقَالَ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» (٢). وهو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.
وقد ورد ذكرها في القرآن العظيم في عدة مواطن:
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبراهيم مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إبراهيم وَإسماعيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)
_________
(١) - أخرجه البخاري (١٤٤)، ومسلم (٢٦٤) من حديث أبي أيوب الأنصاري ﵁.
(٢) - أخرجه الترمذي (٣٩٢٥)، والنسائي في "الكبرى" (٤٢٣٨)، وابن ماجه (٣١٠٨)، وأحمد (٣١/ ١٠ رقم: ١٨٧١٥)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان (٣٧٠٨)، والحاكم (٣/ ٧) وابن حجر؛ انظر: فتح الباري لابن حجر (٣/ ٦٧)، وقد عزاه ابن حجر لأصحاب السنن، ولم أقف عليه عند أبي داود، ولعله في المفقود من صحيح ابن خزيمة.
1 / 9
وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسماعيل رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٥ - ١٢٧].
وقال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٥٨].
وقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: ١٩٧، ١٩٨].
وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٦، ٩٧].
1 / 10
وقال تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٩٧].
وقال تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩].
وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧].
وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].
وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: ١].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا
1 / 11
تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٥ - ٢٩].
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ [النمل: ٩١].
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [القصص: ٥٧].
وقال تعالى: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥].
وقال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٣، ٤].
ولله ﷿ أن يعظم بعض الأزمنة والأمكنة كما يشاء، فقد فضل البلد الحرام عن سائر البلدان، وميّز يوم الجمعة ويوم عرفة وعشر ذي الحجة عن سائر الأيام، وميّز شهر رمضان وأشهر الحج عن بقية الشهور، وميّز بعض الليالي كليلة القدر، وبعض الأشخاص بالرسالة أو النبوة، وفضل بعض الرسل على بعض، فلله في خلقه شئون ﷾ لا يسأل عما يفعل.
1 / 12
وقد أدرك ذلك جلة من التابعين، وأتباع التابعين، وأتباعهم إلى يومنا هذا، فعمد بعضهم إلى سكنها، ومجاورة البيت الحرام، وعلى حث المسلمين في ذلك، وقد تناول بعضهم هذا الأمر بإفراد مصنفات تختص بتاريخها وعظمتها وفضائلها، فهي من أشرف بقاع الأرض.
وأقدم ما وصل إلينا -فيما علمنا-من تلك المصنفات هي الرسالة المشهورة عن الإمام الحسن البصري ﵀ وطيب ثراه وهي الرسالة الموسومة بـ: "فضائل مكة والسكن فيها" وهي من مطبوعات مكتبة الفلاح -بالكويت-بتحقيق سامي مكي العاني (١)؛ وصنف عثمان بن عمرو بن ساج المتوفي في حدود سنة مائة وبضع وستين كتابا في فضائلها، وقد أكثر أبو الوليد الأزرقي والفاكهي، والجندي من النقل من طريق ابن ساج في كتبهم في فضائل مكة، ثم ألف في هذا الباب أيضا محمد بن عمر الواقدي [ت: ٢٠٧]، وأبو بكر الحميدي [ت: ٢١٩]، والأزرقي [ت: ٢٥٠]، والزبير بن بكار [ت: ٢٥٦]، وعمر بن شبة [ت: ٢٦٢]، والفاكهي [ت: ٢٧٢]، والجندي [ت: ٣٠٨]، وأبو محمد الخزاعي [ت: ٣٠٨]، وصنف بعدهم جماعة منهم: أبو زيد البلخي [ت: ٣٢٢]، وابن أبي حاتم [ت: ٣٢٧]، وأبو العرب الإفريقي [ت: ٣٣٣]، وابن اللباد اللخمي [ت: ٣٣٣]، وابن الأعرابي [ت: ٣٤٠]، وأبو القاسم ابن منده [ت: ٣٤٠]، وهارون بن أحمد الأستراباذي [ت: ٣٦٤].
_________
(١) وفي صحة نسبتها إلى الإمام الحسن مقالة.
1 / 13
وجاء بعدهم جماعة من الأئمة الحفاظ فصنفوا في ذلك منهم: ابن عساكر، وابن الجوزي، وعبد الغني، والضياء المقدسيان، ويحيى بن محمد بن سعادة القرطبي، ثم جاء بعدهم جماعة من الحفاظ أرادوا استيعاب ما سبقهم من مصنفات مع حذف الأسانيد، أو تلخيص بعض تلك الكتب بحذف أسانيدها، أو تهذيبها وإضافة بعض الأبواب في ذلك، وجل تلك المصنفات قد اعتمدت على كتابي الأزرقي، والفاكهي أكثر من غيرها، ومن هؤلاء: ابن النجار، وله كتاب: "نزهة الورى في فضائل أم القرى"، ورزين بن معاوية، وسعد الله بن عمر الإسفرائيني كلاهما في تلخيصهما لكتاب الأزرقي، والمحب الطبري في القرى لقاصد أم القرى، وابن القيم في تفضيل مكة، وللفاسي "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام"، ومختصر شفاء الغرام المسمى "تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام"، وله أيضا "العقد الثمين في أخبار البلد الأمين"، ومختصره المسمى بـ "عجالة القرى للراغب في تاريخ أم القرى"، و"الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة"، وللجمال ابن المؤذن كتاب: "مثير الغرام إلى البلد الحرام"، وعبد الملك بن أحمد الأنصاري كتاب: "أخبار مكة المكرمة"، وإبراهيم بن علي الزيدي "زهرة الخزام في فضائل البيت الحرام"، وللمجد الفيروزآبادي: "مهيج الغرام إلى البلد الحرام"، ولابن فهد "غاية المرام في أخبار البلد الحرام"، و"الدر الكمين بذيل العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين"، و"تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر
1 / 14
الشريف" لبهاء الدين أبي البقاء، المعروف بابن الضياء، ولقطب الدين النهرواني كتاب "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام"، و"الجامع اللطيف" لابن ظهيرة، ولعلي بن عبد القادر الطبري "الأرج المسكي والتاريخ المكيّ" في عدة مجلدات، ضمنه كل ما يتعلق بمكة ورجالها وأمرائها، و"إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام"، ولمحمد بن إسحاق الخوارزمي المؤرخ "إثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة والبيت العتيق".
وألف بعض المتأخرين رسائل لطيفة، كرسالة فضائل مكة والمدينة والبيت الحرام للقليوبي، وفضائل مكة لابن علان المكي.
بل إن بعضهم أفرد مصنفا لأمور بعينها تختص بها بعض الأمكنة والأحوال في مكة دون غيرها من البلدان، فألف أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي "فضائل الكعبة"، وألف الخصاف أبو بكر الشيباني كتاب "ذرع الكعبة والمسجد والقبر"، ولابن الجزري كتاب "الإجلاء والتعظيم في مقام إبراهيم"، وعبد الوهاب بن عبد الصمد ابن عساكر جزء في "جبل حراء"، والمحب الطبري في "التشويق إلى زيارة البيت العتيق"، وللحافظ العسقلاني كتاب "اللمحة اللطيفة في ذكر أحوال كسوة الكعبة الشريفة"، وله أيضا "النبة الأنبه في بناء الكعبة"، وللمجد الفيروزآبادي كتاب: "إثارة الشجون إلى زيارة الحجون"، وكتاب: "الوصل والمنى في فضائل منى"، و"الأخبار المستفادة فيمن ولي مكة من آل قتادة" لابن ظهيرة، ولأحمد الفيومي رسالة في الكلام على الحجر الأسود، ولتاج الدين السنجاري
1 / 15
"منائح الكرم وولاة الحرم"، ولابن علان الصديقي "النبأ العميم ببناء البيت الحرام الفخيم" وهي رسالة في بيان العمارة الواقعة في البيت الحرام في زمن مراد خان، وغير ذلك كثير.
وكثير من هذه الكتب لا تتناول فضل مكة فقط، وإنما يتناول الكثير من أحوالها وتاريخها، وأكثر الكتب استيعابا من ناحية الإسناد كتاب أخبار مكة للفاكهي، وأخبار مكة للأزرقي؛ إلا أن الأول أولاها؛ لشهرة مصنفه من ناحية، ومن حيث سعة المادة التاريخية، واستيعابه للآثار، والأبواب الواردة في ذلك، وأما ما سبقهما من كتب أو عاصرهما مثل كتاب الواقدي في "أخبار مكة"، وكذلك كتاب الزبير بن بكار، وعمر بن شبة، وغيرهم فهي في عداد المفقود ويظهر أنها لم تكن ذات مادة موسوعية ضخمة، يظهر ذلك من خلال النظر في موارد بعض المصنفات التي نقلت عنهم وعن غيرهم، وكذا كتاب الجندي هذا إذ يحتوي على (١١٨) أثر، ما بين مقاطيع، وموقوفات، ومسانيد في نسختنا الخطية تلك، ثم أني وجدت في بطن كتاب "جامع الآثار" لابن ناصر الدين الدمشقي (١٨) حديثا وأثرا، وعند السيوطي في كتابه "الدر المنثور" حديثا واحدا، فتلك تسعة عشر حديثا، ليست في نسختنا الخطية، ولعلها اختلاف نسخ وروايات، والأقرب عندي أنها سقطت من ناسخ الكتاب، لأن في بعض هذه الأحاديث ما تكلم عن فضل بئر زمزم، وأظن هذا باب كامل سقط من ناسخه والله أعلم، وقد ضمنتها في أخر الكتاب تحت مسمى: باب ملحق.
1 / 16
وقد أدرك نفر من كبار المتأخرين فحاولوا أن يصنفوا كتبا أكثر استيعابا وجمعا وتبويبا، فألف بعضهم مصنفات جامعة ومختصرة تتضمن النقولات عن هذه الكتب، ومن هؤلاء تقي الدين الفاسي في "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام"، وهذا يعد من جلة الكتب وأعظمها وأبدعها وأجمعها وأكثر تفصيلا في هذا الباب وغيرها من المصنفات الجامعة المانعة، التي أراد مؤلفوها الإلمام بكل ما يتعلق بمكة من أخبار وأحاديث، وتضمنت نقولات من عدة مصنفات سبقت هؤلاء، وقد نقل بعض هؤلاء الأئمة عن الجندي من كتابه هذا.
1 / 17
الفصل الثاني
أهمية الكتاب
ومما يزيد من أهمية كتابنا هو أنه يحتوي على أحاديث وآثار، وإن كانت ليست بالكثير كما سبق، لكن الأهمية ترجع لكونه يرويها إليك بالسند؛ لمعرفة السقيم من الصحيح، والجندي ﵀ من الرواة لكتاب السنن لأبي قرة موسى بن طارق الجندي، وقد أسند من طريق أبي قرة عدة أحاديث وآثار قد أشرفت على ثلث أحاديث كتاب الجندي هذا، وقد روى أيضا من طريق عثمان بن ساج صاحب أخبار مكة بضعة آثار أيضًا، وقد استفاد جماعة من الأئمة والعلماء الكبار من النقل عن كتاب الجندي هذا، وهو أمر يبرز لنا أهمية الكتاب كما سيأتي في فصل توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه.
وقد من الله عليّ حيث وفقني إلى الوقوف على نسخة خطية للكتاب أهداها إلي أحد الإخوة الأفاضل، وهي مصورة ضوئية من مصورات ومحفوظات إحدى المكتبات بالسند، لم يظهر عليها عنوان الكتاب ولا تاريخ نسخه فهي نسخة منقولة عن أصل، ولكن عند النظر في إسناد رواة الكتاب، وفي أبوابه وشيوخه وأحاديثه وآثاره، وتخريجي لمادته تبين لي أنها لأبي سعيد الجندي ﵀، كما سيأتي في فصل: توثيق نسبة
1 / 19
الكتاب لمؤلفه، وتوجد قطعة من كتاب "فضائل مكة" من رواية ابن المقرئ عن الجندي، في ثمان ورقات وقد ذكرها الشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ وطيب ثراه في المنتخب من مخطوطات الظاهرية ص ٣٣٨، (حديث ٣٣٠ ق ٤٥ إلى ٥٢)، ولم يتيسر لي الوقوف على تلك القطعة.
1 / 20
الفصل الثالث
المنهج المتبع في تحقيق الكتاب
يشتمل منهجنا في تحقيق الكتاب على عدة أمور وهي:
نسخ الكتاب من الأصل الخطي له، ثم وضع علامات الترقيم، وتشكيل الكلمات التي تحتاج لذلك، وترقيم الأحاديث ترقيما تسلسليا، ثم تخريج الأحاديث والآثار، ومنهجنا في التخريج هو استيفاء الطرق، والحكم عليها بما تقتضيه أصول الصنعة الحديثية، وذلك إذا كان الحديث أو الأثر في حاجة لهذا الأمر، أما إذا كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت، فلا حاجة للإطالة ما دام الخبر صحيحا، فهو الغاية المرجوة من التخريج ودراسة الأسانيد وهو مراد القارئ الكريم أيضا، فإثقال الحاشية بما يخرج عن المراد أمر -عندي-لا طائل منه.
1 / 21
الفصل الرابع
ترجمة المصنف
الجَنَدىّ -بفتح الجيم والنون -أبو سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم بن مفضل بن سعيد ابن الإمام عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي، ثم الجندي -نسبة إلى الجند بلدة من بلاد اليمن -.
قال العقيلي: قدمت مكة ولأبي سعيد الجندي حلقة بالمسجد الحرام.
روى عنه ابن حبان في "صحيحه"، وقال: أخبرنا المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي أبو سعيد الشيخ الصالح بمكة ...
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: هو ثقة. قال الحاكم: سألت عنه أبا علي الحافظ فقال: ما كان إلا ثقة مأمونا وما قيل فيه قط إلا في رواية حديث يعقوب بن عطاء، عن الزهري قصة الإفك، عن أبي حمة وعلي بن زياد، قلت لأبي علي: فعلى أي شيء يوضع هذا منه؟ قال: على الوهم فقط.
وقال السمعاني: نزل مكة، وحدث بالكثير، وجمع كتابا في "فضائل مكة" ...
وقال الجعدي: كان حافظا عارفا.
1 / 23
وقال بهاء الدين اليمني أبو عبد الله الجندي: كان معدودا في الحفاظ والثقات، وذكره ابن أبي الصَّيف في باب من باليمن من الأئمة الثقات المشهورين ...
ووصفه الذهبي: بالمقرئ المحدث الإمام.
وقد روى حروف القراءات عن طائفة كالبزي وغيره.
وأخذ عنه جماعة من الكبار منهم: أبو بكر بن مجاهد، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وحدث عنه أيضا من أئمة الحديث: أبو جعفر العقيلي، وأبو حاتم ابن حبان-في "الصحيح" وغيره-، وأبو القاسم الطبراني، والآجري، وأبو أحمد بن عدي، ورفيقه أبو القاسم الجرجاني، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.
قال أبو القاسم بن مندة: توفي سنة ثمان وثلاث مائة - وهذا أشهر-، وكذا ذكره يحيى بن أبي بكر العامري الحرضي في "غربال الزمان" (ق ٢٢٩/ب) فيمن توفي في هذه السنة.
وقال السمعاني: مات بعد سنة عشر وثلاثمائة - وتعقبه ابن حجر، فقال: وهو وهم منه (١).
_________
(١) - انظر: «الصحيح" لابن حبان (٢٣١٩)، "المتفق والمفترق" (٣/ ١٩٦٠)، "الإكمال" (٢/ ٢٢٠)، "الأنساب" للسمعاني (٣/ ٣٢٠ - ٣٢١)، "الأماكن" (ص ٢٦٢)، "طبقات فقهاء اليمن" للجعدي (ص ٦٩ - ٧١)، "مشتبه النسبة" (٢/ ٤٧١)، "معجم البلدان" (٢/ ١٧٠)، "إكمال الإكمال" (٣/ ٥١٨)، "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد" (ص ٤٦٠)، "السلوك في طبقات العلماء والملوك" (١/ ١٤٨)، "تاريخ الإسلام" (٧/ ١٣٩ - ١٤٠)، "العبر" (١/ ٤٥٤)، "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٢٥٧ - ٢٥٨)، "العقد الثمين" (٧/ ٢٦٦ - ٢٦٧)، "توضيح المشتبه" (٢/ ٤٧٠ و٥/ ٣٣٧) "غاية النهاية" (٢/ ٣٠٧)، "اللسان" (٨/ ١٤٠). "شذرات الذهب" (٤/ ٤٠)، "الأعلام" (٧/ ٢٨٠).
1 / 24