فضائل بيت المقدس
فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي
ژانرها
قال: فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة فوقها، وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها تهوي من السماء منقضة، وعيسى -عليه السلام- يبكي ويقول: إلهي اجعلني لك من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا. إلهي كم أسألك من العجائب وتعطيني، إلهي أعوذ بك من أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا، اللهم ربنا اجعلها عافية وسلامة، ولا تجعلها مثلة ولا فتنة، فلم يزل كذلك حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام، والناس حوله يجدون ريحا طيبة لم يجدوا مثلها قط، فخر عيسى ساجدا والحواريون معه، وبلغ اليهود ذلك فأملؤا غما وكمدا، ينظرون أمرا عجيبا، فإذا منديل مغطى على السفرة، وجاء عيسى -عليه السلام- فقال: من أوثقنا بنفسه، وأحسننا يقينا عند ربنا، فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر إليها، ونأكل منها، ونسمي ربنا، ونحمد إلهنا تعالى. فقال الحواريون: أنت أولى بذلك يا روح الله. قال: فتوضأ وضوءا جديدا، وصلى صلاة طويلة، ودعا دعاء كثيرا، وبكى بكاء طويلا، ثم قام حتى جلس عند السفرة، ثم قال: بسم الله خير الرازقين، وكشف المنديل وإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها قشور، وليس لها شوك، تسيل سيلا من الدسم، قد نضد حولها البقل ما خلا الكراث، وإذا خل عند رأسها، وملح عند ذنبها، وسبعة أرغفة، على كل واحد منها زيتون، وعلى سابعها حب رمان وتمر، فقال شمعون رأس الحواريين: يا روح الله، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة؟ فقال عيسى -عليه السلام-: أو ما نهيتم عن تغير المسائل، ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا. قال: لا وإله بني إسرائيل، ما أردت بما سألت سوءا يا ابن الصديقة. قال عيسى: نزلت وما عليها من السماء، وليس شيء [مما] ترون عليها من طعام الدنيا ولا [من] طعام الآخرة، هي وما عليها ابتدعها الله تعالى بالقدرة الغالبة، قال تعالى لها كوني فكانت، فكلوا مما سألتم، واحمدوا عليه ربكم، يمددكم ويزيدكم. قالوا: يا روح الله لو أريتنا اليوم آية من هذه الآية. قال عيسى -عليه السلام- للسمكة: احيي بإذن الله، فاضطربت السمكة حية طرية، تدور عيناها في رأسها، ولها وبيص، تلمظ بفيها كما يتلمظ الأسد، وعاد عليها قشورها، ففزع القوم، فقال عيسى: ما لكم تسألون عن أشياء، فإذا أعطيتموه كرهتموه، ما أخوفني عليكم أن تعذبوا، ثم قال: عودي يا سمكة مثل ما كنت بإذن الله، فعادت السمكة مشوية كما كانت، ليس عليها قشور على حالها. فقالوا: يا روح الله وكلمته، كل منها الذي تأكل أولا، ثم نأكل نحن. فقال عيسى: معاذ الله، يأكل منها من طلبها وسألها. قال: ففزع الحواريون أن يكون نزولها سخطة ومثلة، فلم يأكلوا منها شيئا، فدعى عيسى -عليه السلام- علية أهل الفاقة والزمانة والمرضى، من أهل العميان والمجذمين والمقعدين وأهل البلاء والماء الأصفر والمجانين، فقال لهم: كلوا من رزق ربكم، وادعوه يبرئكم، إنه ربكم، واحمدوه، يكون المهنأ لكم، والبلاء لغيركم، فاذكروا اسم الله تعالى وكلوا، ففعلوا وصدروا عن تلك السمكة والأرغفة، وهم ألف وثلاثمائة، بين رجل وامرأة من فقير وجائع، وصاحب علة وفاقة، فصدروا كلهم شباعا يتجشؤن، ثم نظر عيسى -عليه السلام- فإذا [ما] على المائدة كهيئته كما أنزلت من السماء، ثم رفعت السفرة إلى السماء وهم ينظرون إليها، فاستغنى كل فقير أكل منها يومئذ، ولم يزل غنيا حتى مات، وبرأ كل زمن من زمانته حتى مات، فندم الحواريون وسائر الناس ممن لم يأكل منها وأبى ذلك، وتحسروا حسرة واشتدت فيها أسقامهم، قال: وكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها من كل مكان يسعون، يزاحم بعضهم بعضا، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والكبار والصغار، والأصحاء والمرضى، يركب بعضهم بعضا، فلما رأى عيسى -عليه السلام- ذلك جعلها بينهم نوبة، قال: فكانت تنزل غبا، [تنزل] يوما ولا تنزل يوما، كناقة النبي صالح لها شرب يوم، تشرب جميع الماء، وتغدو عليهم بمثله لبنا، فلبثوا بذلك أربعين يوما، تنزل عليهم ضحى، فلا تزال موضوعة حتى إذا قال: إلهي، طارت صعدا، وهم ينظرون إليها في الأرض حتى تتوارى عنهم، ثم أوحى الله تعالى إلى عيسى: أن اجعل مائدتي ورزقي لليتامى والزمنى دون الأغنياء من الناس. فلما فعل ذلك أعظم ذلك الأغنياء، فادعوا القبيح حتى شكوا وشككوا الناس فيها، فوقعت الفتنة في قلوب المرتابين -يريد المشركين- حتى قال قائلهم: يا مسيح الله: إن المائدة لحق تنزل من عند الله تعالى. فقال عيسى: ويلكم أهلكتم، فأبشروا بالعذاب إلا أن يرحمكم الله تعالى. فأوحى الله تعالى إلى عيسى: أني قد أخذت شرطي من المكذبين، إني قد اشترطت عليهم: أني أعذب من كفر منهم بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فقال عيسى -عليه السلام-: إن تعذبهم فإنهم عبادك. قال: فمسخ الله منهم ثلاثة وثلاثين رجلا خنازير من ليلتهم، فأصبحوا يأكلون العذائر من الحشوش وينبشون في الكناسة والمزابل والطرق، ويتعاوون، وقد كانوا ينامون أول الليل على فرشهم مع نسائهم آمنين، بأحسن صورة، وأوسع رزق، فأصبح الناس يطوفون بعيسى فزعا ورهبا من عقوبة الله تعالى، وعيسى يبكي وأهليهم يبكون معه [عليهم]، وجاءت الخنازير تسعى إلى عيسى حين أبصرته، فطافوا به ينظرون إليه، ويشمون ريحه، ويسجدون له، وأعينهم تسيل دموعا، لا يستطيعون الكلام، فقام عيسى يناديهم بأسمائهم: يا فلان، فيومئ برأسه نعم، قد كنت أحذركم (عذاب ربكم)، عذاب الله تعالى، وكأني أنظر إليكم إذ مثل بكم، وغيرت صورتكم. وقيل: إن عيسى -عليه السلام- دعا الله تعالى أن يميتهم، فأماتهم الله تعالى في اليوم الرابع، وذلك كله في أرض بيت المقدس.
وأخبرنا أيضا بهذا الحديث -بهذا الشرح- عبد الرحيم بن يعقوب، قال: قرأت على الشيخ أبي بكر أحمد بن محمد بن عبدوس النسوي، قال: ثنا أبو حفص عمر بن القاسم، قال: ثنا بكر بن سهل، قال: ثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي، قال: ثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عباس.
وعن موسى بن عبد الرحمن، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس.
75 - باب فضل ماء بيت المقدس وما فيه من المنفعة
صفحه ۲۷۱