ثم إنه جمعهم بعد ذلك فخطبهم، وقال: إن الله تعالى قد رحمكم وعفا عنكم، فأحدثوا لله شكرا بقدر ما أبلاكم. قالوا: مرنا نفعل. قال: إني لا أعلم أمرا أبلغ في شكركم من بناء مسجد على [هذا] الصعيد الذي رحمكم الله تعالى عليه، فنبنيه مسجدا نعبد الله فيه، ونقدس فيه، أنتم ومن بعدكم. قالوا: نفعل. وسأل داود ربه فأذن له، فأقبلوا على بناء بيت المقدس.
وباشره داود بنفسه، ينقل الصخرة على عاتقه، ويضعه بيده في مواضعه، فلما رفع داود حائطه قامة رجل أوسط، أوحى الله إليه: أني قد قبلت توبتكم، ورضيت عملكم في هذا المسجد، فارفعوا أيديكم، فإني أريد أن أورثه رجلا يكون من بعدكم، أورثه علمه، وأجعل له اسمه وصوته وسناه ومجده وشرفه، وأريد أن أشرف هذا المسجد، وأرفع ذكره، وأقدسه وأطهره حتى يبلغ من طهره أنه لا يشرع فيه يد سفكت دما، وسأجعل يا داود ذلك على يدي رجل من صلبك، أسلمه من الدنيا، سميته سليمان؛ لأن هذه بقعة شرفتها وقدستها بآبائك، وخلقتها لقدسي، وباركت لأهلها في الزيت والقمح، لا تزال يدي عليها ممدودة بالبركة.
صفحه ۱۳