شرح الأربعين النووية للعثيمين
شرح الأربعين النووية للعثيمين
ناشر
دار الثريا للنشر
ژانرها
ولنضرب مثلًا في رجل له ابن مشفق عليه تمامًا، وأصيب الابن بمرض وكان من المقرر أن يكوى هذا الابن بالنار، ولا شك أن النار مؤلمة للابن، لكن الأب يكويه لما يرجو من المصلحة بهذا الكي، مع أن الكي في نفسه شر، لكن نتيجته خير.
وإذا علمت أن فعل الله ﷿ الذي هو فعله كله خير اطمأننت إلى مقدور الله ﷿ واستسلمت تمامًا، وكنت كما قال الله ﷿: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (التغابن: الآية١١) قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
والإنسان إذا رضي بالقدر حقًا استراح من الحزن والهم، بدليل قول الرسول ﷺ: المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيْفِ، وَفِيْ كُلٍّ خَيْر، اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وِاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّيْ فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا، فَإِنَّ - لَوْ - تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ (١) فأمر النبي ﷺ بالحرص على ما ينفع، ثم إذا اختلفت الأمور فقل: هذا قدر الله وما شاء فعل.
وليس المراد بقول النبي ﷺ: المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيْفِ قوي العضلات، بل المراد: المؤمن القوي في إيمانه لا في جسمه، فكم من إنسان قوي الجسم لكن لا خير فيه، وبالعكس. وبهذه المناسبة لو كتبت هذه الجملة المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيْفِ على لوحة كبيرة فوق ملعب رياضي، على أن المراد بالمؤمن القوي قوي العضلات فإن هذا لايجوز
فالمهم أن الشر لاينسب إلى الله تعالى، لأن النبي ﷺ قال: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ (٢) وإنما ينسب الشر إلى المخلوقات، قال الله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) (الفلق: ١-٢) فالشرّ ينسب إلى المخلوقات.
(١) - أخرجه مسلم - كتاب: القدر، باب: في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، (٢٦٦٤)، (٣٤) (٢) - أخرجه مسلم - كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (٧٧١)، (٢٠١) .
1 / 75