شرح الأربعين النووية للعثيمين
شرح الأربعين النووية للعثيمين
ناشر
دار الثريا للنشر
ژانرها
بوصفه، ففعله مخلوق لله ﷿، كما أن الطول والقصر والبياض والسواد والسمن والنحافة كلها مخلوقة لله فهكذا أيضًا أفعال الإنسان مخلوقة لله، لأنها صفة من أوصافه، وخالق الأصل خالق للصفة.
ويدل لهذا قول إبراهيم ﵇ لقومه: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: ٩٥-٩٦) تحتمل معنيين:
المعنى الأول: أن تكون (ما) مصدرية والمعنى: خلقكم وخلق عملكم، وهذا نص في أن عمل الإنسان مخلوق لله تعالى.
والمعنى الثاني: أن تكون (ما) اسمًا موصولًا، ويكون المعنى: خلقكم وخلق الذي تعملونه؟ فكيف يمكن أن نقول: إن الآية دليل على خلق أفعال العباد على هذا التقدير؟
والجواب: أنه إذا كان المعمول مخلوقًا لله، لزم أن يكون عمل الإنسان مخلوقًا، لأن المعمول كان بعمل الإنسان، فالإنسان هو الذي باشر العمل في المعمول، فإذا كان المعمول مخلوقًا لله، وهو فعل العبد، لزم أن يكون فعل العبد مخلوقًا فيكون في الآية دليل على خلق أفعال العباد على كلا الاحتمالين.
ومن فوائد هذا الحديث:
. ١٩أن القدر ليس فيه شر، وإنما الشر في المقدور، وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير، ويدل لهذا: قول النبي ﷺ: وَالشّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ (١) أي لاينسب إليك، فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شرٌّ أبدًا، لأنه صادر عن رحمة وحكمة، لأن الشر المحض لا يقع إلا من الشرير، والله تعالى خير وأبقى.
إذًا كيف نوجّه وتؤمن بالقدر خيره وشرّه؟
الجواب: أن نقول: المفعولات والمخلوقات هي التي فيها الخير والشر، أما أصل فعل
(١) - أخرجه مسلم - كتاب: الصلاة، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (٧٧١)، (٢٠١) .
1 / 73