شرح الأربعين النووية للعثيمين
شرح الأربعين النووية للعثيمين
ناشر
دار الثريا للنشر
ژانرها
وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (الليل: ٥-١٠) (١)
إذًا نعمل. الرّزق مكتوب ومراد لله، ومع ذلك الإنسان يسعى للرزق.
وكذا الولد مكتوب أي أن الإنسان سيولد له مكتوب، ومع ذلك فالإنسان يسعى لهذا ويطلب الأولاد بالنكاح، ولا يقول: سأنام على الفراش وإن كان الله مقدرًا لي الولد سيأتي به، فلو قال أحد هذا الكلام لقالوا: إنه مجنون.
كذلك العمل الصالح: اعمل عملًا صالحًا من أجل أن تدخل الجنة، ولا أحد يمنعك من الطاعة، ولا أحد يكرهك على المعصية.
وقد احتجّ المشركون بالقدر على شركهم، كما قال الله عنهم: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: ١٤٨) .
والجواب: قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) (الأنعام: ١٤٨) فلم تقبل منهم هذه الحجة، لأن الله تعالى جعل ذلك تكذيبًا وجعل له عقوبة: (حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) .
فإن قال قائل: إن لدينا حديثًا أقرّ فيه النبي ﷺ الاحتجاج بالقدر، وهو أن آدم وموسى تحاجا -أي تخاصما- فقال موسى لآدم: أنت أبونا خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة -لأن خروج آدم من الجنة من أجل أنه أكل من الشجرة التي نُهِيَ عن الأكل منها -فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني، قال النبي ﷺ: حَجَّ آدَمُ مُوْسَى مرتين أو ثلاثًا وفي لفظ: فَحَجَّهُ آدَمُ (٢) يعني غلبه في الحجة.
هذا يتمسّك به من يحتجّ بالقدر على فعل المعاصي.
(١) - أخرجه البخاري- كتاب: التفسير، باب: قوله: (فأمام من أعطى واتقى) (الليل: ٥)، (٤٩٤٥)، ومسلم- كتاب: القدر، باب: خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (٢٦٤٧)، (٦) . (٢) - أخرجه البخاري- كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: وفاة موسى، (٣٤٠٩)، ومسلم - كتاب: القدر، باب: حجاج موسى وآدم ﵉، (٢٦٥٢)، (١٣)
1 / 69