Explanation of the Book of Tawhid by Ibn Khuzaymah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار
ژانرها
أدلة أهل الاتحاد والحلول والرد عليها
أيضًا من الأدلة التي يستدل بها أهل البدع على أن الله في كل مكان: قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام:٣]، وقالوا: إن معنى هذه الآية أن الله في السماوات وفي الأرض، وهذا ظاهر وصريح.
أما الآية الثانية: فهي قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف:٨٤]، قالوا: الله إله في السماء وإله في الأرض، فيكون مدلوله أن الله في السماء وفي الأرض.
ونرد عليهم بنفس القاعدة أي: رد المتشابه إلى المحكم، والمحكم أن الله جل وعلا قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، فلو قلنا: إن الله في السماوات وفي الأرض لكان غير مستوٍ على العرش، والله يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، وهم يقولون: هو في السماء وفي الأرض، والعرش معلوم أنه في السماء، إذًا: فسنضرب آيات الله بعضها في بعض والله جل وعلا يقول ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢] إذًا: لا اختلاف في كتاب الله جل وعلا، فيبقى أنْ ننظر في المحكم، وهو قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، وننظر في الآيات الأخرى، فإذا كان لها احتمالات رجحناها، فقوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ» لها احتمالان، الاحتمال الأول: هو الله المعبود في السماوات، وهذا الاحتمال أتى من دلالة لفظ الجلالة (الله) ويتضمن صفة الإلهية، فهو المألوه في السماوات وفي الأرض، وهو الله المعبود في السماوات وفي الأرض، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ [النساء:١٧٢] أي: في الأرض، ﴿وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء:١٧٢] أيْ: في السماء، وحديث النبي ﷺ: (أن البيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، يتعبدون لله جل وعلا فيه، ولا يرجعون إليه إلى يوم القيامة).
فالله يعبد في السماء ويعبد في الأرض، فيكون معنى الآية: هو الله المعبود في السماوات، وهو الله المعبود في الأرض، وهو المستوي على العرش.
أيضًا: دلالة أخرى تدلل لنا هذا الكلام في قول الله جل وعلا: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ»، وهنا قراءة سبعية متواترة وفيها وقف لازم، وهي مثل قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، فهو فوق السماء السابعة.
وحروف الصفات تتناوب كما يقول أهل اللغة، فيكون معنى قوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ» أي: على السماوات؛ إذ أن (في) الظرفية تأتي بمعنى: على، مثل قوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك:١٦] بمعنى: على السماء، فكأنك تقرأ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، إذًا: نقف وجوبًا عند قوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ» ثم نقرأ بعد ذلك «وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ»، قال مالك: الله فوق العرش وعلمه في كل مكان، فإذًا: نقول: الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم، وهذا الرد يطبق على الآية الثانية ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف:٨٤] يعني: في السماء معبود وفي الأرض معبود، ويدلل على ذلك: الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: (أنت ربنا في السماء وأمرك في السماء وفي الأرض) أي: شرعك في السماء وفي الأرض.
ومن الأدلة التي يستدل بها أهل الحلول والاتحاد: قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، إذًا: فالله جل وعلا قريب من كل داع فهو معهم، فهذه الآية تدل على أنه ليس على العرش.
وأيضًا: حديث آخر: قال النبي ﷺ: (قال الله تعالى: ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها) وهذا الحديث يدل على أنه مع كل إنسان.
ونرد على هذه الشبهات: بأن نرد المتشابه إلى المحكم، فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، فهذه الآية من المتشابه، فكلمة قريب: محتملة بأن يكون معناها: قريب الإجابة، فهو يسمع ثم يجيبه، ويحتمل أن يكون معناها: قرب مخالطة، فقرب المخالطة يتصادم مع المحكم.
والاحتمال الثاني الذي هو قريب الإجابة، يوافق المحكم ويدل على ذلك سياق الآية نفسها، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، ويدل على ذلك أيضًا: الحديث الذي فسر القرآن، إذ أن من أفضل ما يفسر به القرآن بالقرآن ثم القرآن بالسنة، قال النبي ﷺ: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا، وإن الله لأقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) فإنه يسمع دعاءك ويستجيب لك، والنبي ﷺ قال: (ينزل الله في ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟) فالقرب هنا قرب إجابة.
ونحن نلزمهم برد آخر فنقول لهم وإن لم يقبلوا منا هذا الاحتمال الصحيح: إن مفهوم المخالفة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، هو إذا كان القرب عندهم قرب مخالطة، فإن هذا القرب مختص بالداعي، أما إذا لم يدع فليس بقريب، وهذا باطل عندهم؛ لأنهم يقولون بعموم المخالطة، فلما بطلت حجتهم بهذا المفهوم الذي لا يقولون به، إذًا: القرب هنا قرب إجابة، وهي راجعة إلى المحكم وهو قول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥].
17 / 8