شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Saleh Al-Sheikh d. Unknown
51

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

ژانرها

قال بعدها (خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ)

وكما قال فيما سبق (حَيٌّ لَا يَمُوتُ) قال هنا (خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ) . و(خَالِقٌ) اسم فاعل من الخَلْقْ، فالخَلْقْ مصدر خَلَقَ الشيء يَخْلُقُهُ خَلْقًَا. واسم الخالق لله ﷿ هو على مقتضى اللغة يشمل مراتب: ١ - المرتبة الأولى لصفة الخلق واسم الخالق: التقدير: فإنَّ الخلق في اللغة هو التقدير كما قال ﷿ ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون:١٤] وقال سبحانه ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:٢] تقدير الشيء على وفق علم المُقَدِّر. وفي هذا قول الشاعر: فأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ ****** وبعض القوم يخلق ثم لا يَفْرِي (تَفْرِي ما خَلَقْتَ) يعني تقطع ما قدرت من الأمر أو من الصناعة. (وبعض القوم -لعجزه- يخلق) يعني يقدر، (ثم لا يَفْرِي) وهذه المرتبة ثابتة لله ﷿، فهو سبحانه المُقَدِّر للأشياء ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ خَلَقَ كل الأشياء فقدَّرَها، فخَلْقُهُ كان مشتملًا على تقديرها شيئًا فشيئًا أو تقدير ما يصلح لها. هذا وتقديره سبحانه للأشياء بلا حاجة لهذا التقدير. فالمخلوق يُقَدِّر خشية ألا يصل إلى ما يريد، فإنَّ تقديره للأشياء شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى نهايتها وحتى يكون ما يريد على وفق ما قدَّرْ أو على وفق ما يريده، فيحتاج إلى التقدير ليتم الأمر. والله سبحانه حين قدَّر لا لحاجته لذلك، بل هو سبحانه يُجْرِي الأشياء وفق (كن فتكون) على وفق حكمته سبحانه بمشيئته الكونية، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فكونه سبحانه قدَّر الأشياء لا لحاجة إلى التقدير، ولكن ليكون ذلك موافق لحكمته سبحانه، ولله الحكمة البالغة كما خلَقَ السموات والأرض في ستة أيام وهو قادر أن يخلقها ﷿ بمباشرة الأمر لها بكن فتكون مرة واحدة. ٢ - المرتبة الثانية لصفة الخلق واسم الخالق: هو تصوير الأشياء: وتصوير الأشياء هو خَلْقٌ لها لأنها أعظم من التقدير العام، فإذا صوَّر الأشياء فقد خلقها كما قال سبحانه ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [آل عمران:٦] وفي حديث ابن مسعود المتفق عليه قال؟ (إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم أربعين يومًا مضغة ثم أربعين يومًا علقة» ... إلخ، فجعل هذه المراتب داخلة في الخلق، وهذا يدل مع دلالات كثيرة على أنَّ التصوير خلق، وحين [.....] لا لحاجته سبحانه للتصوير بأنه لم ينفذ أمره إلا إذا صور كما يفعل الإنسان فإنه يصور الشيء الذي يريده بمعنى يركب أعضاءه بأن يجعل هذا مع هذا لأنه لن يتم إلا بهذا، ولو لم يفعل هذه الخطوة لا تتم له الخطوة التي بعدها لأنه بحاجة إلى ذلك. فإذًا التصوير عند المخلوق لحاجته إليه، والله ﷾ يخلق مُصَورًا لا لحاجته إليه، فهذه داخلة في قول المؤلف ﵀ (خالق بلا حاجة) ٣ - المرتبة الثالثة لصفة الخلق واسم الخالق: هو البرء: البرء، برء ما صور وهو إنفاذه على آخر مراحله وجعله خلقًا سويًا يريده الرب ﷿، ولهذا قال في آخر سورة الحشر ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر:٢٤]، وهو ﷾ حين خَلَقَ وبَرَءَ البرية وصوَّرَها وجعلها على هذا المنوال وعلى اختلافها: الإنسان، الملائكة، الحيوان على ظهر الأرض وبطن الأرض والماء وفي السماء إلى آخر ذلك ليس لحاجته لهم ولا لأنه يستكثر بهم بل لابتلائهم ولإقامة هذا الملكوت على العبودية. فإذًا قول المؤلف ﵀ (خَاِلقٌ بِلا حَاجَة) هذا لكمال غناه ﷾ وكمال حمده سبحانه كما قال ﷿ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:٥٦-٥٨]، وكما قال؟ في الحديث القدْسي (قَالَ اللهُ تعَالَى: يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) (١) إلى أن قال (فإنَّكم لَنْ تَبْلُغُوا ضُرَّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) وقد قال ﷿ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:١٥] . وكذلك قوله (رَازقٌ بلا مَؤُونَة) _________ (١) مسلم (٦٧٣٧)

1 / 51