242

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

ژانرها

[المسألة الرابعة]:
منشأ الضلال في القدر، منشأ ضلال الفرق: الجبرية والقدرية يرجع إلى عدة أسباب: (١)
١- السبب الأول: قياس أفعال الله ﷿ وتصرفاته سبحانه بأفعال الخلق.
فيجعلون ما كان محمودًا في الخلق محمودًا في فِعْلِ الله ﷿، وما كان مَذْمُومًَا في الخلق فيكون مَذْمُومًَا في فعل الله ﷿.
فعندهم أنَّ العدل محمود والظلم مذموم، فيجعلون العدل بتفسيره في الخَلْقْ والظلم بتفسيره في الخَلْقْ في حق الله، فما اقتضى العدل في المخلوق جَعَلُوهُ لله وما اقتضى الظلم في المخلوق جعلوه منفِيًَّا عن الله ﷿.
ولذلك نفوا عموم المشيئة ونَفَوا عموم الخلق، لأنهم جَعَلُوا أنَّ إِذْنَ الله ﷿ بالكفر يقتضي الظلم؛ لأنه معناه الإلزام.
وجعلوا خلق الله ﷿ لمعصية العاصي ولكُفْرِ الكافر جعلوا ذلك ظلمًا؛ لأنَّهُ في حق الإنسان إذا جَعل غيره يفعل ذلك الشيء فإنَّهُ قَهَرَهُ عليه وأَجْبَرَهُ عليه أو أنه أَذِنَ له به وهذا ظلم في حق الإنسان فيما بينهم.
فيقولون: إِذْنُ ما كان عدلًا في الإنسان فهو عدل في الله وما كان ظلمًا في الإنسان فهو ظلم في الله لأنَّ تعريف العدل والظلم فيما جاء في النصوص هو التعريف اللغوي وهو الذي يشمل الإنسان ويشمل الله ﷿.
* وهذا في الحقيقة هو أعظم أسباب الضلال في هذه المسألة.
٢ - السبب الثاني: عدم التفريق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية.
فيجعلون الإرادة والمشيئة شيء واحد، فما نُفِيَ مما لم يُرِدْهُ الله ﷿ شرعا جعلوه مَنْفِيًَّا كونا.
فالله ﷿ لم يرد الكفر فجعلوه ﷿ لم يشأ الكفر؛ لأنَّ الإرادة عندهم قسم واحد، لم يرد المعصية فجعلوه لم يشأ المعصية، لم يرد الكبيرة جعلوه لم يشأ الكبيرة.
والإرادة كما ذكرنا منها إرادة شرعية ومنها إرادة كونية.
والإرادة الكونية هي المشيئة، وأما الإرادة الشرعية فهي التي تدخل فيها صفة المحبة والرضا لله ﷿.
٣- السبب الثالث: دخول العقل في التحسين والتقبيح.
فيجعلون الأفعال التي تقع في ملكوت الله وتقدير الله ﷿ للأشياء يدخل فيه العقل مُحَسِّنًا ومُقَبِّحًا.
وذلك لأنَّ العقل عندهم أصل، فقالوا: العقل يُعْمَلُ في أفعال الله فما حَسَّنَهُ العقل في أفعال الله صار حسنًا وما قبَّحَهُ العقل في أفعال الله ﷿ وجب نفيه عن الله ﷿.
وهذه هي المسألة المشهورة بالتحسين والتقبيح العقليين التي لها صلة بالأصول وبالفقه يعني بالتكليف ولها صلة أيضا بمبحث القضاء والقدر.
٤- السبب الرابع: الدخول في أفعال الله ﷿ وعدم التسليم لمراد الله ﷿.
يعني الخوض في أفعال الله ﷾.
والخوض في أفعال الله ﷿ كما ذكر لك الطحاوي في ذلك (ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ) .
(ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ) يعني وسيلة لأن يُخْذَلْ العبد، لأنه معناه أنك تريد أن تصل إلى معرفة سر القَدَرْ وهذا لا يمكن.
(سُلَّمُ الْحِرْمَانِ) لا يمكن أيضًا أن تدخل في أفعال الله فَتُحْرَمْ؛ ولأنَّ هذا سُلَّمُهُ الحرمان فتصل إلى أن تكون محرومًا.
وكذلك أنَّه (دَرَجَةُ -من درجات- الطُّغْيَانِ) لأنَّ الإنسان رفع نفسه فوق ما لها، طَغَى وجاوز حَدَّهْ، فحَدَّهُ أن يتعبد الله ﷿ بالإيمان والتسليم ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣] .
فإذًا السؤال بـ (لم؟) هذا من منشأ الضلال فيمن ضَلَّ في الجبرية وفي القدرية وفي المتحيرين المتشككين الذين أنكروا الشريعة وضَلُّوا وأَلْحَدُوا بسبب الدخول في القَدَرْ.
من المعلوم أنَّ القَدَرْ فيه العِلْمْ، والعلم يتفاوت فيه الناس.
والله ﷿ يعلم ما يوافق حكمته ﷿.
الحكمة أين هي؟
ما يريده الله ﷿ من الابتلاء في خلقه.
الله ﷾ يعلم ذلك، فأَوْقَعَ في خلقه ما يوافق الحكمة له؛ يعني ما يوافق مراداته في خلقه وحصول الابتلاء في ذاته، والإنسان قد ينظر فيكون علمه قاصرًا فلا يصل إلى حقيقة الإدراك.
ولهذا قال بعض السلف وتُنْسَبْ إلى أبي بكر ﵁ (العجز عن الإدراك إدراك)
لم؟ (٢)
لأنَّ إدراكات الذكي غير إدراكات البليد فإذا اعْتَرَضَ البليد على الذكي بأنَّ هذا الشيء ليس كذلك لأنَّ هذا ما يُعْقَلْ وهذا ما يحصُلْ فيكون هذا اعتراض لا عن علم وإنما عن جهل فَيُرَدْ على صاحبه فيكون هو المحروم.
مثل جهل بعض الناس مثلًا ببعض الأجهزة.
الكفار من النصارى أوَّل ما اخترع المسلمون الساعة أنكروها وخافوا منها، ورَجَعَ الأمر إلى أنَّ في بعض المخترعات للكفار في العصر الحديث رفضه بعض المسلمين وخافوا منه؛ وذلك لأنَّ ذلك فيه عَجْزًَا عن إدراك حقيقته، فرفضوا لأنهم عجزوا عن إلادراك.

(١) راجع (٦٨)
(٢) انتهى الوجه الأول من الشريط الثامن عشر.

1 / 242