شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
ژانرها
[المسألة الرابعة]:
جاء في الأحاديث أنَّ الحوض يُذاد عنه، فقد جاء أنَّ النبي ﷺ يذود أناسًا عن الحوض.
وجاء في أحاديث أخرى أنَّ النبي ﷺ يأتيه قوم فيعرفهم فيُذادُون عن الحوض؛ يعني يذودهم غيره ﷺ، فيقول «يا ربي أصيحابي أصيحابي» إلى آخر الأحاديث التي سيأتي توجيهها.
وهذا يدلّ على أنّ التحقيق أنّ الذَّوْد عن الحوض نوعان:
١- الأوّل ذود عام:
وهو ذود النبي ﷺ غير أمته أن يستقوا من الحوض فيدفعهم أو يمنعهم ويذودهم عن الحوض الخاص بأمته ﷺ، وهذا الذّود العام منه ﷺ وإبعاد الناس عن حوضه إلا أمته يفيد فائدتين:
- الفائدة الأولى:
أنه ﷺ للمؤمنين به في هذه الأمة رؤوف رحيم، فيريد أن تختص أمته بحوضه، وذلك فيه إكرام لهم ومزيد عناية بهذه الأمة.
- الفائدة الثانية:
أنه قد جاء -كما ذكرنا- أن لكل نبي حوضا، والنبي ﷺ يريد من كل كل تابع لنبي ومؤمن بنبي من إخوانه الأنبياء والمرسلين، يريد أن يذهب إلى النبي ليكون أبلغ في ظهور عظم الرسالة -رسالة النبي إلى قومه- ورأفة قومه به، وإظهار لمن آمن بكل نبي على من لم يؤمن بذلك النبي.
وهذا توجيه جيد أفاده عدد من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر ﵀ ومن تبعه.
٢- الثاني ذودٌ خاص:
فهذا يُذاد عن الحوض طائفة قليلة بالنسبة إلى كثرة من يرده، قد جاء فيه أحاديث كثيرة عنه ﷺ متعددة: أنه إذا ورد الحوض ورد عليه أناس يعرفهم ويعرفونه ثم يُذَادُونَ عن الحوض؛ يعني يُدفَعُونَ بشدة فيقول «يا ربي قومي قومي» وفي رواية «أصحابي» وفي رواية لأنس في الصحيح «أصيحابي أصيحابي»، فينادي المنادي «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، في رواية «إنهم لم يزالوا مرتدّين على أدبارهم مذ تركتهم»، فهذا دَفْعٌ بشدة عن الحوض لطائفة من المرتدّين ومن المُحْدِثِين.
ولهذا اختلف أهل العلم في هؤلاء الذين يُدفعون عن الحوض من هم؟ (١) على أقوال:
: [[الشريط الخامس عشر]]:
١- القول الأول:
أنّ الذين يُذادُونَ عن الحوض هم الذين ارتدوا من الصحابة بعده ﷺ، كالذين تبعوا مسيلمة الكذاب أو سجاح أو كَفَرُوا وارتَدُّوا بعد ذلك، وهم قليل.
ويدل على قلتهم أنه ﷺ قال «يذاد قوم» أو يؤتى كما في رواية أخرى، قال «فيأتيني قوم فيُذادون عن الحوض» وهذا يدل على قلّتهم.
ويدل على ذلك أيضا قوله «يا ربي أصيحابي أصيحابي» . (٢)
فقال أهل العلم إنَّ كلمة (قوم) و(أصيحابي) ونحوهما، يدل على قلة العدد لا على كثرتهم.
وهذا يناسب هذا القول؛ لأنَّ عدد الذين ارتدوا بعد النبي ﷺ ممن صحبوه أو حجوا معه حجة الوداع قليل من شرذمة من الأعراب الذين لم يؤمنوا به حق الإيمان.
٢- القول الثاني:
أنِّ الذين يُذادون عن الحوض هم المنافقون.
والنبي ﷺ لم يعرف المنافقين جميعًا فقد قال الله؟ له ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد:٣٠] فيأتون يوم القيامة وعليهم سيما أهل الإيمان أو أنهم مع المؤمنين فيظنّهم ﷺ من المؤمنين به ظاهرًا وباطنًا، ثم يُذادون فيُدْفَعُونَ عن الحوض بشدة، ويساقون إلى النار فيقول «أصحابي أصحابي» باعتبار ما كان عليه ظاهر أمرهم، فيقول (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (٣)، (أو إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم مذ تركتهم) .
يعني ظَهَرَ نفاقهم واستبان بعد وفاته ﷺ.
٣- القول الثالث:
أنَّ الذين يذادون هم كل من أحدث بعده ﷺ حدثًَا فَغَيَّرَ في دينه إمَّا بالارتداد عن الإسلام إلى الكفر أو بما هو دون ذلك من المحدثات كالبدع المضلة من أنواع البدع المضلة كبدعة الرِّفض والسبئية والخوارج والنّصب والاعتزال، كل هذه من أنواع المحدثات.
والنبي ﷺ قال في وصف من يُذاد «فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، وهذه من جملة أنواع المحدثات.
(وهذا القول الثالث هو أظهر الأقوال لشموله للقولين السابقين، فنقول:
- أولا: الذين يُذادون كما جاء في بعض الأحاديث الذين ارتدوا ممن شارك في حجة الوداع أو صحب النبي ﷺ ولم يؤمن به إيمانًا حقيقيًا، فهؤلاء يذادون.
- ثانيًا: وأيضًا يذاد المنافقون.
- ثالثًا: وأيضًا يذاد كل أصحاب الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة، وأشباه هؤلاء من الفرق الذين ضلوا وأحدثوا في الدين وابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله.
قال بعض أهل العلم: ويُلْحَقْ بذلك أيضًا من افترى على الله ﷿ في دينه؛ يعني كَذَبَ في أمر الدين.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده ونحو ذلك بألفاظ متقاربة من أنَّ النبي ﷺ قال «سيكون بعدي أمراء فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظُلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد عليَّ الحوض» (٤) .
قال في وصف هؤلاء «فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم» يعني يكذبون على الدين وهذا يُصَدِّقُهُم على ذلك ويعينهم على الكذب على الدين ويعينهم على الظّلم، فهذا مُحْدِثْ، ولهذا أُلحق بتلك الفئات بقوله ﷺ «فليس مني ولستُ منه ولن يرد عليّ الحوض» .
(١) انتهى الشريط الرابع عشر.
(٢) سبق ذكره (١٩٣)
(٣) البخاري (٦٥٧٦) / مسلم (٦١١٨)
(٤) الترمذي (٦١٤) / النسائي (٤٢٠٨) / المسند (٢٣٣٠٨)
1 / 194