وفقا لإنجلز، بدأ العمل مع صناعة الأدوات، التي كان أقدمها يستخدم في أغراض القنص والصيد، وكان هذا بداية التحول من «النظام الغذائي النباتي فقط إلى ذلك المعتمد على اللحوم أيضا.» ومع تقديم «كل الاحترام للأشخاص النباتيين»، قال إنجلز إن النظام الغذائي المعتمد على اللحوم كان ضروريا للتطور السريع للدماغ. وقد عرض إنجلز تطور الإنتاج الاجتماعي بين البشر على نحو يوضح كيف أننا «طورنا تدريجيا تصورا واضحا ... لنشاطنا الإنتاجي»، بحيث إنه بعد ثورة كاملة سوف تتاح لنا فرصة السيطرة على آثار هذا النشاط الإنتاجي وتنظيمها (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).
وفقا لإنجلز، أكدت الاكتشافات الحديثة في مجال الأنثروبولوجيا، كتلك التي تمت في علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء والتاريخ والفلسفة، حقيقة «تصوره المادي للتاريخ» القائم على «الجدل». وألف إنجلز كتاب «أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة» ونشره عام 1884، وقدم فيه محاولة مطولة لتوضيح تطابق الأعمال الأنثروبولوجية الحديثة مع رؤيته «المادية» لأصل الإنسان وأصل المجتمع، لدرجة تجعل رؤيته تبدو كما لو كانت قد أصبحت مؤكدة من خلال أبحاث مستقلة. وكان إنجلز مهتما في الأساس بكتاب «المجتمع القديم» الذي نشر عام 1877 للعالم الأمريكي لويس هنري مورجان. قال مورجان إن التقدم التقني في إنتاج وسائل المعيشة لعب دورا حاسما في التطور البشري من الهمجية إلى البربرية إلى الحضارة. وفي تخطيط هذا المسار استعرض مورجان الأسرة والحكومة والملكية، ومن هذه المناقشة نشأ كتاب إنجلز، أول عمل ماركسي عن الأنثروبولوجيا، وقد ظهر من هذا الكتاب أربع طبعات، وكانت له عدة ترجمات عام 1894.
وفي شرح وجهة نظر ماركس لعام 1859، القائلة بأن «نمط إنتاج الحياة المادية يحدد العمليات الحياتية الاجتماعية والسياسية والفكرية في العموم»، قال إنجلز إن العامل الحاسم في التاريخ كان «كخيار أخير» هو إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الحالية. وكان لعملية الإنتاج وإعادة الإنتاج شقان: الأول هو وسائل المعيشة والأدوات المطلوبة، والثاني هو إنتاج البشر أنفسهم الذي ربطه إنجلز بنشر النوع والأسرة. وكتب أن المؤسسات الاجتماعية كانت محددة وفقا للتطور النسبي الخاص بهذين العاملين: «كلما قل تطور العمل، أصبح حجم إنتاجه محدودا على نحو أكبر، وأصبحت ثروة المجتمع محدودة كذلك، وبدا النظام الاجتماعي خاضعا على نحو أكبر لروابط الجنس.» ومع تطور إنتاجية العمل، ظهرت نتيجة لذلك عوامل اجتماعية جديدة، وكسرت سمة «روابط الجنس » التي ميزت المجتمع القديم؛ وبعدها تطورت بحرية الصراعات الطبقية التي شكلت محتوى كل الأحداث التاريخية المدونة حتى عصرنا الحالي (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
وأضاف إنجلز إلى عمل مورجان، الذي كان يتناول بصفة أساسية هنود أمريكا الشمالية، تعليقاته الخاصة عن اليونان وروما والسلتيين والألمان. وحظي مورجان ببعض المديح المميز من إنجلز الذي كتب يقول:
إعادة اكتشاف أن نسب العشائر إلى الأم، المعروف بحق الأم، هو المرحلة الأولية لمرحلة نسب العشائر إلى الأب، المعروف بحق الأب، تلك المرحلة المميزة للشعوب المتحضرة؛ لهو أمر مهم لتاريخ المجتمع البدائي مثلما أن نظرية داروين للتطور مهمة لعلم الأحياء، وأيضا مثلما أن نظرية فائض القيمة لماركس مهمة لعلم الاقتصاد السياسي (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
ومن اكتشاف مورجان توصل إنجلز إلى الاستنتاج القائل بأن «الإطاحة بحق الأم كان أكبر هزيمة تاريخية للجنس الأنثوي.» واتخذت السلطة الحصرية للرجال شكل العائلة الأبوية في بادئ الأمر، ثم تطور الشكل إلى الزواج الأحادي الذي منه ظهرت الأسرة الأثينية التي كان الأزواج اليونانيون «يخجلون فيها من إظهار الحب لزوجاتهم، فيسلون أنفسهم ب «المحظيات» ... إلى أن انغمسوا في شذوذ حب الغلمان.» وزعم إنجلز أن الزواج الأحادي لم يظهر بسبب حب جنس معين، لكنه ظهر نتيجة لخضوع جنس لجنس آخر، من أجل توفير ورثة لأب ثابتة أبوته على نحو قاطع. واقتبس إنجلز من كتاب «الأيديولوجية الألمانية» فيما يتعلق بهذا الموضوع فقال: «أول أشكال تقسيم العمل كان بين الرجل والمرأة من أجل إنجاب الأطفال.» واستطرد قائلا: «أول عداء بين الطبقات ظهر في التاريخ صادف ظهوره تطور العداء بين الرجل والمرأة في الزواج الأحادي، وأول قهر طبقي صادف ظهوره قهر الجنس الأنثوي على يد الجنس الذكوري.» ووفقا لإنجلز، كان الزواج الأحادي في واقع الأمر صورة أخرى لنمط تاريخي ما؛ فهو تطور، لكنه في الوقت نفسه، «تراجع نسبي، تتحقق فيه رفاهية وتقدم مجموعة ما من خلال شقاء وقمع المجموعة الأخرى» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
وفيما بعد تكهن إنجلز بما سيئول إليه تطور الزواج بعد إلغاء الإنتاج الرأسمالي وعلاقات الملكية، فقال: «إلا أن ما سوف يختفي بالتأكيد من الزواج الأحادي هو كل الصفات التي لصقت به نتيجة لظهوره من منطلق علاقات الملكية، وهذه الصفات هي؛ أولا: سيطرة الرجل، وثانيا: عدم قابلية الزواج للفسخ» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الثاني).
ومع ذلك لم يكن إنجلز متفائلا كلية بشأن التحرر في المجتمع المستقبلي؛ ففي كتابه «الرد على دوهرينج»، فسر وجهة نظر ماركس القائلة بأن ثورة البروليتاريا سوف تنهي مع الوقت الحكم الطبقي فقال:
إن تدخل الدولة في العلاقات الاجتماعية يصبح غير ضروري في مجال تلو الآخر، ثم يتلاشى من تلقاء نفسه؛ وتحل محل حكم الأفراد إدارة الأشياء وإدارة عمليات الإنتاج؛ فالدولة لا «تلغى»، بل «تتلاشى» (الرد على دوهرينج).
قدمت مقالة إنجلز «عن السلطة» - التي كتبها عام 1872، ونشرت في البداية في صحيفة إيطالية عام 1874 - ملامح معينة عن طابع هذه الإدارة المستقبلية، وكان غرضه هو مواجهة الميول اللاسلطوية لدى الحركة الاشتراكية الدولية، لا سيما التصدي لنفوذ باكونين. إن تعريف إنجلز للسلطة بأنها «فرض إرادة الآخر على إراداتنا» تستلزم، كما قال، «الخضوع»، وهذا بالتأكيد «غير مقبول من جانب الطرف الخاضع.» وحتى بعد حدوث ثورة اجتماعية ستظل الصناعة الواسعة النطاق في حاجة إلى نوع من الخضوع والسلطة، وكتب يقول إن هذه الأمور «مفروضة علينا.» وتابع إنجلز حديثه الجدلي، فزعم أن السلطة والاستقلال من «الأشياء النسبية»، وأنه في ظل التنظيم الاجتماعي في المستقبل سيتم تقليل السلطة «الحدود التي تجعلها ظروف الإنتاج حتمية.» ويضع إنجلز تصوره عن هذه السمة في المجتمع المستقبلي من خلال وجهة نظره الجدلية التي تتسم بالشمولية قائلا:
صفحه نامشخص