أن هؤلاء الذين ساعدوا اليهود في الحرب العالمية الثانية قد فعلوا ذلك ليس لأنهم رأوا فيهم إخوانا في الإنسانية، ولكن لأنهم ينتمون إلى نفس المدينة، أو نفس المهنة، أو نفس المجموعات الاجتماعية التي ينتمون إليها هم أنفسهم. ونفس الدافع أيضا هو الذي يدفع الأحرار الأمريكيين العصريين إلى مساعدة الأمريكيين السود المقهورين، ويتساءل رورتي : «هل ينبغي أن نقول إن هؤلاء الناس يجب أن نقدم لهم المساعدة لأنهم إخواننا في الإنسانية، إنهم قد يكونون كذلك بالفعل، لكن الشيء المقنع سواء أخلاقيا أو سياسيا، هو أن نصفهم بأنهم إخواننا في الوطن الأمريكي، وأن نصر على أنه شيء مخز أن يعيش أي أمريكي بلا أمل.»
76
يربط إذا رورتي الأخلاق بالعرقية ويجعلها تابعة لمفهوم الوطنية والانتماء، رغم أن الوطنية والانتماء ينبغي النظر إليهما على أنهما «فضيلتان أخلاقيتان».
التعددية: القيمة الأبرز لفلسفة ما بعد الحداثة.
من نفس المنطلق أيضا ترفض ما بعد الحداثة فكرة «المساواة» و«حقوق الإنسان» بصيغتها العالمية بما تتضمنه من تنميط للإنسان؛ فهي أقرب إلى الأفكار الشمولية الحداثية؛ لأنها تنطلق من فرضية مفادها وجود قاسم مشترك بين البشر (المساواة)، لكن الواقع وتجارب الشعوب تثبت تهافت هذا الادعاء؛ فهو مفهوم طوباوي غير قابل للتحقق في عصر الرأسمالية، وانفصام الشخصية، والإنسان الذي يحكمه فقط قوانين الربح والخسارة والقيم الاستهلاكية. كما أن «الدعوة لحقوق إنسان عالمية» تلغي الاختلاف والتمايز بين الشعوب، ولا تضع الأقليات والجماعات الإثنية في حساباتها. إنها تهدف إلى «توحيد» البشر و«تنميطهم»، وبالتالي المؤالفة بينهم بدل المخالفة، كما أنها «أداة» في يد القوى المهيمنة تلوح بها وقتما تشاء وتتغاضى عنها حسبما تقتضيه مصلحتها. والسؤال هو من يمتلك تحديد الحقوق؟ من الذي يملك تحديد العادل من غير العادل؟ يقول ليوتار في مقاله «شرطة الفكر»
La Police de la Pensée
77 «إن إضفاء الشرعية على حقوق الإنسان يشترط إبراز اللحظة اللاإنسانية للقانون.» ويقصد ليوتار بذلك أن تحديد حقوق عالمية للإنسان تفترض وجود ذات لا إنسانية هي التي قامت بتحديدها، وما دام هذا لم يتحقق، فإن شرط مشروعيتها قد سقط.
وكبديل لهذا الخطاب الشمولي، يرى فلاسفة ما بعد الحداثة (ليوتار، فوكو، دولوز، دريدا) أن وظيفة المثقف في عصرنا الحالي أن يكون ممثلا في المجال العام لأناس لا يجدون من يعبر عنهم، أو كما يقول دولوز: «إننا نمنح دائما، بفعل كتابتنا، الكتابة لأولئك الذين لا يملكونها.»
78
ويقول دريدا: «على المثقف اليوم أن يكون لسان حال الهامشيين أو المرأة أو شعوب العالم الثالث.»
صفحه نامشخص