وأمام دعاوى موت الإنسان، ونهاية الفلسفة، وتفكيك العقل، والانتصار للاعقل، يلاحظ هابرماس، بنوع من الهدوء أنه «في العشر سنوات الأخيرة، أصبح النقد الراديكالي للعقل مجرد موضة.»
50 (3) ضد الكلية والشمولية
كانت فكرة النسق سائدة في الحقبة الحداثية؛ حيث كان الفيلسوف ينظر إليه، وينظر هو إلى نفسه، على أنه مفكر كوني شمولي، وبالتالي لا بد أن يكون له رأي في كل قضية، وهذا الرأي يشكل، بجوار آرائه الأخرى، نسقا متكاملا يتصف بالكلية والشمولية. وقد ظلت فكرة النسق سائدة حتى القرن العشرين، وإن خفتت حدتها مع ظهور الفلسفات التي اهتمت بالمناهج لا المذاهب - كالفينومينولوجيا والفلسفة التحليلية. لكن ظلت فكرة النسق كامنة بصورة أو بأخرى في لا وعي الفيلسوف، يقول دولوز: «لقد اعتبر المثقف نفسه خلال فترة طويلة ممتدة من القرن الثامن عشر حتى الحرب العالمية الثانية (ربما حتى سارتر وزولا) حاملا لقيم شمولية.»
51
ونتيجة للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي زادت وتيرتها في القرن العشرين، بدأ بعض المفكرين (من أمثال فلاسفة مدرسة فرانكفورت، والفلاسفة الوجوديين) النظر إلى مفهوم الكلية والشمولية بعين الريبة؛ أولا: لأن الواقع لا يتجاوب مع كل ما هو كلي أو شمولي. ثانيا: لأن التاريخ لم يقدم لنا نموذجا متحققا لفكر شمولي. وثالثا: لأن هذه الأفكار تم توظيفها من قبل قوى تهدف للسيطرة والهيمنة. من هذا المنطلق رأى أدورنو
Adorno
أن الكلية ينبغي أن ينظر إليها على أنها حقل من القوة متشظ ومتنافر بعيد عن الانسجام، فكل ما هو مفرط في نظاميته وسلاسته ينبغي أن ينظر إليه بعين الريبة والشك، وعلى أنه يعكس ضروبا زائفة من التناغم والانسجام تنبعث من المجتمع. والحال، أن أدورنو يرفع شعارا مقتضبا يقول «الكل غير حقيقي».
52
استثمر فلاسفة ما بعد الحداثة انتقادات أدورنو - ومن قبله نيتشه - وغيره من فلاسفة مدرسة فرانكفورت، للأنساق الكلية الشمولية، وبدءوا في عملية نقد عنيف لكل النظريات والفلسفات التي ادعت الكلية والشمولية، يقول إيجلتون: «تشير ما بعد الحداثة إلى موت السرديات الكبرى، تلك التي كانت تتمثل وظيفتها الإرهابية السرية في وضع أساس لوهم تاريخ بشري «شامل» وإضفاء الشرعية عليه. نحن الآن في سياق عملية الصحوة للانتقال من كابوس الحداثة، مع عقلها المخادع
Manipulative
صفحه نامشخص