درَّةُ الضَّرْعِ لحَدِيث أم زَرع
تأليف
مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل الرَّافِعِيّ الْقزْوِينِي الْمُتَوفَّى ٥٨٠ هـ (*)
ضبط نَصه وعلق عَلَيْهِ
مَشْهُور حسن سلمَان
دَار ابْن حزم
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، ويظهر أن مؤلف الكتاب هو ولده، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي، الفقيه (صاحب شرح الوجيز)، وأنه إنما روى الحديث فقط عن والده ثم شَرَحه من قلمه هو، وذلك للأمور التالية:
• هذا الشرح مستل من كتاب (عبد الكريم بن محمد الرافعي) المسمى (التدوين في أخبار قزوين)، ساقه في الفصل الذي ترجم فيه لوالده (محمد الرافعي)
• قال المصنف في سياق ترجمة والده: [فصل في روايته]
«رأيت أن أورد من رواياته حديثا منعوتا فوقع الاختيار على حديث أم زرع، الطويل ذيله، الجزيل نيله، ومن أراد من الناظر من إفراد الحديث بشرحه فليكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد لله مبدع الأصل والفرع الممتن بعد الإبداع بالضرع والزرع والصلاة على رسوله مُحَمَّد المخصوص بأوسع الذرع واتبع الشرع، وبعد: فهذه (درة الضرع لحديث أم زرع) أسأل اللَّه أن ينفع بها من يراجعها ويقف عليها ويطالعها
قَرَأْتُ عَلَى الإِمَامِ وَالِدِي ﵀ سنة ثلاث وستين وخمسمائة أَخْبَرَكُمُ الْحَسَنُ الْغَزَّالُ. . .»
فساق الحديث من رواية والده ﵀ ثم شرع في ذكر رواياته وشرحه بما يظهر أنه من قلمه هو لا من نقله عن والده
• ثم قال بعد تمام شرح الحديث: «وكان والدي ﵀ يرغبني في حفظ هذا الحديث في صغري لكثرة فوائده وحسن ألفاظه، وأختم الآن الحديث وشرحه بقولي:
نفسي من جانب طاعاتها ... حلت بواد غير ذي زرع
لكن ربي واسعٌ فضله ... إن اعتنى بي لم يضق ذرع
وصرت أرتاح بإحسانه ... كأم زرع بأبي زرع
أحسن اللَّه بنا وحقق المنى بجوده وسعة رحمته.»
فهذا الكلام يُشعر بأن الشرح لعبد الكريم الرافعي نفسه لا لوالده
وقوله «وأختم الآن الحديث وشرحه بقولي» لا يعني أن ما سبق من الشرح لم يكن من قوله، بل هذا للتنبيه على أن ما سيذكره من الشعر من مقوله لا من منقوله
• ذكر المصنف في ترجمة والده: [فصل في مصنفاته] ثم ساقها، وكأنه استقصاها حتى ذكر الأربعينيات وذكر الملتقطات والمنتخبات وما شرع فيه ولم يتمه، ولم يذكر أن له شرحا على حديث أم زرع
• قال أحمد بن عبد الغنيّ التميميّ الخليليّ (ت: بعد ١٢٠٢) في كتابه (حسن القرع على حديث أم زرع) صـ ٤٥ (ط دار المنهاج، جدة): «وقد أفرد شرحه بالتصنيف أئمة، منهم: القاضي عياض، والإمام الرافعي، وساقه برمته في «تاريخ قزوين»» انتهى. فهذا يؤيد ما سبق من أن صاحب (التدوين في أخبار قزوين) هو الشارح
• وقبل هذا كله، فإن إثبات نسبة كتاب لمؤلف هو أمر يحتاج إلى أدلة من وجود اسم المؤلف على مخطوطات موثوقة، ونقل أهل العلم عنه وعزوهم لمؤلفه، وذكر أصحاب الفهارس والأدلة له، وليس معنا هنا شيء من ذلك. ليس ثَمّ إلا السياق الذي قد يفهم منه ذلك، وليس بظاهر، فلا يكفي هذا لإثبات نسبة الكتاب لمؤلف آخر، فيبقى على الأصل وهو أنه جزء من كتاب (أخبار قزوين) فهو لمؤلفه، والله أعلم
صفحه نامشخص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[المقدمة]
الحمد لله مبدع الأصل والفرع، الممتن بعد الإبداع بالضرع والزرع؛ والصلاة على رسوله محمدٍ المخصوص بأوسع الذرع، واتبع الشرع، وبعد:
فهذه (درة الضرع لحديث أم زرع) أسأل اللَّه أن ينفع بها من يراجعها، ويقف عليه ويطالعها.
1 / 17
نص الحديث
قَرَأْتُ عَلَى الإِمَامِ وَالِدِي ﵀ سَنَةَ ثلاث وستين وخمسمائة: أَخْبَرَكُمُ الْحَسَنُ الْغَزَّالُ، أَنْبأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيُّ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنْبَأَ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنْبَأَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ عبد الله بن عروة عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا:
قَالَتِ الأُولَى: زَوْجي لَحْمُ جملٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جبلٍ وَعِرٍ، لا سهلٍ فَيُرْتَقَى، وَلا سمينٍ فَيُنْتَقَى أَوْ يَنْتَقِلُ.
قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
1 / 19
قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.
قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ وَلا قَرٌّ، وَلا مَخَافَةَ وَلا سَآمَةَ.
قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.
قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.
قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي عَيَايَاءُ - أَوْ غَيَايَاءُ - طَبَاقَاءُ، كُلِّ داءٍ لَهُ داء، شجك أو فلك، أو جمع كلا لك.
قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زرنبٍ.
قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، عظيم الرماد، طويل النِّجَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ.
قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ، مَالِكُ خَيْرٌ مِنَ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.
1 / 20
قَالَتِ الْحَادِيَةُ عَشَرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أبو زرع! أناس من حلي أذني، وملأ مِنْ شحمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجَحْتُ إِلَى نَفْسِي، وَوَجَدَنِي فِي أَهْلِ غنيمةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صهيلٍ، وأطيطٍ، ودائسٍ، ومنقٍ، فَعِنْدَهُ أَقُولَ فَلا أُقَبِّحُ، وَأَرُقُد فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ.
أَمُّ أَبِي زرعٍ وَمَا ابْنُ أَبِي زرعٍ! مَضْجَعَةٌ كَمَسَلِّ شطبةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ.
بِنْتُ أَبِي زرعٍ، وَمَا بِنْتُ أَبِي زرعٍ! طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمَلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا.
جَارِيَةُ أَبِي زرعٍ، وَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ! لا تبث حديثنا تبثيثًا، ولا تنفث ميرتنا تنقيثًا، ولا تملأ بيتنا تعشيشًا.
قالت: خرج أبو زرعٍ، الأوطاب تمخص، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تحت خصرها
1 / 21
بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رائحةٍ زَوْجًا! وَقَالَ: كلي أم زرعٍ وميري أهلك.
قالت: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شيءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لي رسول الله ﵌: (كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ).
وَقرأَ عَلَيْهِ ﵀ فِي (غَرِيبِ الْحَدِيثِ) لأَبِي عُبَيْدٍ: أَخْبَرَكُمْ الْحَافِظُ سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَغْرِبِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ دَعْلَجٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ عروة، عن عائشة من كلام النُّبُوَّةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى، لا يَخْتَلِفَانِ إلا في ألفاظ يسيرة، والحديث بالاتفاق.
1 / 22
تخريجه
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
وَمُسْلِم عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ جَنَابٍ بِرِوَايَتِهِمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَرَوَاهُ سعيد بن سلمة بن أَبِي الْحُسَامِ وَسُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ هِشَامٍ، وَأَدْخَلَ بَيْنَ هِشَامٍ وَبَيْنَ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، كَمَا أَدْخَلَهُ
1 / 23
عيسى بن يونس.
وآخرون رووه عن هشام عن أبيه من غير إِدْخَالُ عَبْدِ اللَّهِ بَيْنَهُمَا، كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْهُمْ: أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو أُوَيْسٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَإِدْخَالُهُ بَيْنَهُمَا أَصَحُّ.
وَكَمَا وَقَعَ الاخْتِلافُ فِي الإِسْنَادِ وَقَعَ في المتن.
1 / 24
الكلام على رفعه ووقفه
فَمِنْهُمْ مَنْ وَقَّفَ بَعْضَهُ عَلَى عَائِشَةَ وَرَفَعَ بَعْضَهُ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَسْبُوقَةِ أَوَّلا.
وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ الْجَمِيعَ: فَعَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عن سعيد بن سلمة بْنِ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قال رسول الله ﵌: (كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرع)، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ وَصَوَاحِبِهَا، وحكى أولًا قول التي قالت: زوجي عياياء، والتي
قالت: زوجي لحم جمل عث، وَالَّتِي قَالَتْ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، وَالَّتِي قَالَتْ: زَوْجِي إذا شرب اشتف، والتي قالت: زَوْجِي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ. قَالَ عُرْوَةَ: هَؤُلاءِ خَمْسٌ يَشْكُونَ.
فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ ذَوَامٌّ وَنِسْوَةٌ مَوَادِحٌ لأَزْوَاجِهِنَّ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الْمَوَادِحُ سِتًّا وَالذَّوَامُّ خَمْسًا.
1 / 25
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ - بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ - قَالَ: حَدَّثَنَيِ مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْخُزَامِيُّ، عَنْ عَبْدِ العزيز بن محمد الدراوردين عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة قالت: دخ علي رسول الله ﵌ وَعِنْدِي بَعْضُ نِسَائِهِ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، أَنَا لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَدِيثُ أَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﵌: (إِنَّ مِنْ قريةٍ مِنْ قُرَى الْيَمَنِ كَانَ بِهَا بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةٍ، وَأَنَّهُنَّ خَرَجْنَ إلى مجلس من مجالسهن، فقال بعضهم لِبَعْضٍ: تَعَالَيْنَ، فَلْنَذْكُرْ بُعُولَتَنَا بِمَا فِيهِمْ وَلا نَكْذِبُ، فَقِيلَ لِلأُولَى: تَكَلَّمِي، فَقَالَتِ: اللَّيْلُ لَيْلُ تِهَامَةَ وَالْغَيْثُ غَيْثُ غَمَامَةٍ وَلا حَرٌّ وَلا قُرٌّ.
قَالَتِ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ عُمَرَ وفي اسم الرابعة فَهَذِهِ بِنْتُ أَبِي هَزُومَةَ وَزَادَ فَقَالَ اسْمُ أم زرع عاتكة.
1 / 26
أسماؤهن
وأعلم أنه حكى عن ابن دريد أسماؤهن مرتبة على رواية عيسى بن يونس المذكورة أولا، وفي ترتيبهن في الروايتين تفاوت بين:
- التي قالت: زوجي لحم جمل غث! هي الأول في تلك الرواية، والرابع في الرواية الأخيرة.
- والتي قالت: زوجي لا أبث خبره! هي الثانية في تلك الرواية، والتاسعة في الرواية الأخيرة.
فلا يصح أخذ أسمائهن على ذلك الترتيب، من المذكور في الرواية الأخيرة، بل ينبغي أن يقال اسم واحدة منهن كذا وواحدة كذا، أو ينظر في الترتيبين، فيطبق أحدهما على الأخرى ويقضى بموجبه.
1 / 27
قول الأولى
قولها: لحم جملٍ غث: أي مهزول، يقول: غثثت يا جمل تغث، وغثثت تغث غثاثة وغثوثة، وأغث اللحم أيضا.
الوعر: الذي لا يوصل إليه إلا بتعب ومشقة.
والانتقاء: استخراج النقي من العظم، وهو المخ! وذكر أن المقصود هاهنا هو الشحم وأنه يجوز أن يكون المعنى: أنه يرغب فيه ويختار، يقال: انتقيت الشيء أي تخيرته. والانتقال بمعنى التناقل، كالاقتسام بمعنى التقاسم! وقيل: انتقل ونقل واحد أي ليس بسمين يرغب الناس فيه ويتناقلونه إلى بيوتهم. وينتقي وينتقل روايتان مشهورتان، وقد يجمع بينهما على الشك.
غرض المرأة وصف زوجها بقلة الخير، وبعده مع القلة، وشبهته باللحم الغث الذي لا نقي فيه، أو الذي
1 / 28
لا ينتقله الناس إلى بيوتهم، لزهدهم فيه، ومع ذلك هو على رأس جبل صعب لا يوصل إليه إلا بتعب.
وقولها: (لا سهل فيرتقي)، من صفة الجبل! وقولها: (ولا سمين فينتقى أو ينتقل)، م صفة اللحم.
ذكر الخطابي أنها أشارت ببعد خيره إلى سوء خلقه، وترفعه بنفسه تيهًا، وأرادت أنه مع قلة خيره يتكبر على عشيرته وأهله، وبقولها: (ولا سمين فينتقل) إلى أنه ليس في جانبه طرف وفائدة، يحتمل بذلك سوء عشرته له.
ويروى بدل لحم جمل غث: لحم جمل قحر، وهو المسن المهزول.
قَالَ أبو بكر بن الأنباري: ويروي (على رأس قوز وعث) القوز: رمل مرتفع يشبه الرابية، والجمع أقواز والوعث الذي لا تثبت القدم فيه لسيلانه وسهولته.
1 / 29
ذكر في (الصحاح) أن القوز: الكثيب الصغير.
ويروي مع ذلك (ليس بلبد فيتوقل) واللبد: المستمسك الذي ليس هو بسائل ولا منهال، والتوقل: الإسراع في المشي، يقال: توقل الوعل في الجبل.
1 / 30
قول الثانية
قول الأخرى: زوجي لا أبث خبره، أي لا أظهره ولا أشيعه.
والعجر: جمع عجرة، وهي العقد في الأعصاب والعروق المجتمع تحت الجلد.
والبجر: جمع بجرة، وهي انتفاخ يحصل في البطن والصرة، يقال منه: رجل أبجر وامرأة بجراء! وقيل: العجر في الظهر خاصة، والبجر في البطن! وقيل: العجر في الجنب والبطن، والبجر في السرة.
وغرضها أني لا أنشر خبره كيلا يفتضح.
1 / 31
ومرجع الكناية في قولها: (أن لا أذره) فيه قولان:
- أحدهما: أنها ترجع إلى الخبر، والمعنى: إني أخاف أن لا أقطع لكثرة عيوبه، وسعة مجال المقال، وقيل: معناه لا أترك منه شيئا.
- الثاني: أنها ترجع إلى الزوج، أي هو مع كونه حقيقا بالمفارقة أخاف أن لا أفارقه لما بيننا من العلق والأسباب.
وبالأول قَالَ ابن السكيت، ويشهد له روى في بعض الروايات أنها قالت بعده: (ولا أبلغ قدره).
1 / 32
وأرادت بالعجر والبجر: عيوبه الباطنة وأسراره.
يروى أن عليا ﵁ لما رأى طلحة ﵁ صريعا قَالَ: (إلى اللَّه أشكو عجري وبجري) يريد همومي وأحزاني.
1 / 33
قول الثالثة
زوجي العشنق العشنق: الطويل وقيل الطويل العنق يريد أن له طولا بلا نفع ومنظرا بلا مخبر فإن نطقت بما فيه طلقها وإن سكتت تركها معلقة لا كذوات الأزواج ولا كالأيامى.
ويروي بعد ذلك: (على حد سنان مذلق) والمذلق المحدد أي لقيت معه على حد سنان.
عن إسماعيل بْن أبي أويس وغيره أن العشنق المقدام الشرس وعلى هذا فما بعده بيان له وحكى
1 / 34
أبو بكر بن الأنباري عنه أن العشنق القصير ونسب فيه إلى التصحيف وذكر أنه إنما قَالَ الصقر المقدام الجريء.
1 / 35
قول الرابعة
قول الرابعة: زوجي كليل تهامة. . . إلى آخره.
تهامة: ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز.
والقر والقرة: البرد، ويقال: قررت، أي: أصابني البرد، والسآمة: الملال.
وليل تهامة طلق ى يؤذي بحر ولا برد، فشبهته به في خلوه من الأذى والمكروه.
وقولها: ولا حر ولا قر قيل معناه: ولا ذو حر ولا قر، كما يقال: فلان عدل، أي ذو عدالة. وقيل: يحتمل أن تريد لا حر فيها ولا قر.
قولها: ولا مخافة ولا سآمة! أي: ليس فيه خلق أخاف بسببه منه، أو ساء مني أو أساء منه.
ويروى: (ولا مخافة ولا وخامة)، والوخامة: الثقل، يقال: طعام وخيم أي ثقيل، وزاد بعضهم: (ولا يخاف خلفه ولا أمامه).
1 / 36