وحدث خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق بن أبي سفيان بن أمية أنهما كانا مع النبي (عليه السلام)، قالا: لما قربنا من الشام رأينا والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز السوق من ازدحام الناس ينظرون إلى النبي (عليه السلام)، فجاء حبر عظيم اسمه نسطورا، فجلس بحذائه ينظر اليه. فقال لأبي طالب: ما اسمه؟
قال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
فتغير لونه. ثم قال له: اكشف ظهره. فلما كشفه رأى الخاتم فانكب عليه يقبله ويبكي، وقال: أسرع برده إلى موضعه، فما أكثر عدوه في أرضنا. فلم يزل يتعاهدنا في كل يوم وأتاه بقميص فلم يقبله، فأخذه أبو طالب مخافة أن يغتم الرجل (1).
وقال أبو طالب: فعجلت به حتى رددته إلى مكة، فوالله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبا جهل بن هشام لعنه الله فإنه كان فاتكا ماجنا قد ثمل من السكر (2).
وقيل: إن نساء قريش كن يجتمعن في عيد لهم في المسجد فإذا هن بيهودي يقول: يوشك أن يبعث فيكن نبي فأيكن استطاعت أن يكون له أرض يطأها فلتفعل فحصبنه، وقر ذلك القول في قلب خديجة (3).
وكان النبي (عليه السلام) قد استأجرته خديجة على أن تعطيه بكرين، فلما مر في سفره نزل تحت شجرة لم ينزل تحتها إلا نبي، فرآه راهب يقال له نسطورا فاستقبله وقبل يديه ورجليه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم قال لميسرة:
طاوعه في أوامره ونواهيه فإنه نبي، والله ما جلس في هذا المجلس بعد عيسى أحد غيره، ولقد بشر به عيسى (عليه السلام) * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (4) وهو يملك الأرض بأسرها.
فقال ميسرة: يا محمد لقد اجتبنا في ليلة عقبات كنا نجوزها بأيام كثيرة،
صفحه ۸۷