Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah
دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح
ژانرها
التطهر بالأعمال الصالحة
إن الأمر يحتاج إلى الاجتناب والابتعاد أولًا، ولا يكفي ذلك؛ بل يحتاج إلى مزيد من التطهر بأعمال مباشرة يبتغي بها العبد زكاء نفسه، ونظافة قلبه، وإحياء روحه، وتقوية عزمه، وصفاء ذهنه، وقوة عقله، وذلك لا يكون إلا بالطاعة والعبادة لله ﷿: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٨٢].
وتأمل ما وصف الله ﷿ في شأن هذا الغذاء الإيماني الذي يحفظ الطهارة، ويديم الوضاءة: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ [النور:٣٦ - ٣٧]، جاءت هذه الآية بعد الآية التي ضرب فيها المثل لإشراق الإيمان في قلب المؤمن، وهي قوله ﷿: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور:٣٥] أين هذا الضياء؟! أين هذا الإشراق؟! أين نجد هذا الغذاء؟! أين نجد هذا الزاد؟! يأتي الجواب في الآية التي بعدها مباشرة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ)، فلابد للعبد أن يطهر نفسه وقلبه، وأن يزكيها بدوام الخضوع، واستمرار السجود، ودوام الذكر، ولهج اللسان بالتحميد والتنزيه والتعظيم لله ﷾، وإرسال البصر للتفكر في عظمة خلق الله ﷿، والسماع لآيات القرآن ولمواعظ الذكر، ذلك كله تطهير للنفس من أوضارها، وتزكية لها ورفع لمستوياتها.
ولذلك قال الله ﷿: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة:١٠٨]، أي: في بيوت الله ﷿ والتي لم يعد يرتادها كل المسلمين اليوم، وإذا ارتادوها فإنهم سريعًا ما ينصرفون عنها، ويخرجون منها، فلم تعد قلوبهم معلقة ببيوت الله ﷿ حتى ينالوا وصف المحبة، وحتى ينالوا كرامة التظليل بظل عرش الله ﷿، كما ذكر النبي ﷺ من السبعة الذين يظلهم الله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منها حتى يعود إليها).
4 / 15