Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah
دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح
ژانرها
تفريط المسلمين في كنزهم الثمين
الحمد لله ولي الصالحين، وناصر المؤمنين، ومعز الموحدين، وجاعل الدائرة على الكافرين، والعاقبة للمتقين ولو بعد حين، أحمده ﷾ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى، حمدًا نلقى به أجرًا، ويمحو الله به عنا وزرًا، ويجعله لنا عنده ذخرًا؟ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، هدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وبصر به من العمى، وفتح به قلوبًا غلفًا، وأسمع به آذانًا صمًا، وأشهد أنه ﵊ قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبيًا عن أمته، ووفقنا جميعًا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! إنذار وإعذار في تفاقم الأخطار، وكثرة الأضرار، وثمة أمور يغفل عنها الناس ولا ينتبهون إلى خطرها، ولا ينتبهون إلى معالجة ضررها إلا عندما تشتعل النار، وتعظم الأخطار، وتنحرف الأفكار، ويصبح الأمر حينئذٍ أصعب معالجة، وأثقل مدافعة، ولعلي أبدأ بقصة غريبة وهي: أن رجلًا كانت عنده ثروة كبيرة من الجواهر واللآلئ والذهب والفضة، ولكنه لم يحفظها في مكان أمين أو خزينة مستقلة، بل أودعها بيته وهو على الطريق العام، ولم يجعل على بيته حراسة، ولم يكن متيقظًا، فنوافذه مفتوحة وأبوابه مشرعة، فمرة من المرات تسلل بعض اللصوص وسرقوا شيئًا يسيرًا من هذه الثروة، فلم يلتفت إلى ذلك، ولم يحتط لثروته، بل ترك الأبواب مفتوحة بعد أن كانت النوفذ مفتوحة، فكثر اللصوص وعظمت السرقات، فماذا فعل؟ أزال النوافذ، وخلع الأبواب، حتى كادت كل الثروة أن تنتهب وتسرق، وحينئذ وضع يده على وجهه متحيرًا متندمًا، ناظرًا في أمره كيف يحرس ثروته وقد ضاعت، وكيف يبقي ماله وقد سرق! أظنكم تعتقدون أن القصة خيالية، ولكنكم ستعجبون إن قلت إنها حقيقية، وسيزداد عجبكم إن قلت: إننا -إلا من رحم الله- قد فعلنا مثل ذلك، وإننا جميعًا يصدق فينا -إلا من رحم الله- أننا مثل ذلك الرجل، تركنا ثرواتنا نهبًا لكل سارق، حتى إذا عظمت السرقات ووصلت إلى أعلى الدرجات وقفنا نفكر ونتساءل: كيف سرقنا؟ وكيف ذهبت ثرواتنا؟ وحتى الآن ما زال في أذهانكم تساؤلات كثيرة عن ذلك، ولعلي أزيل الغموض عندما أقول: إن الذي سرق منا ليس الأرزاق، بل الأخلاق! وإن الذي ضاع منا ليس الأموال، بل الأحوال! وإن الذي تضرر منا ليس الأبدان، بل الإيمان! لو تأملنا في هذه المعاني قليلًا وكنا صادقين لشعرنا جميعًا أنه قد سلب من إيماننا ومن ديننا ومن أخلاقنا كثير وكثير مما كنا عليه حريصون، ومما هو ثروة أعظم من كل ثروة، وقيمة أغلى من كل قيمة، فمتى نتنبه؟ هل نتنبه إذا جاءت الكوارث الكبرى، وإذا جاءت الحوادث العظمى، وإذا سمعنا بتدنيس المصحف الشريف بالأيدي النجسة، وبالأفعال القبيحة؟ وقد أشرت من قبل إلى شيء من ذلك، إلا أنني وجدت أن الأمر أخطر، وأن الضرر أعظم من أن يكتفى فيه بإشارة، أو أن يقال فيه ما قلناه فيما سبق من أننا فرطنا حتى كنا سببًا فيما يحل بنا، وفيما يحاك لنا، وفيما نقع فيه.
10 / 2