Duroos Al-Sheikh Sayyid Hussein Al-‘Afani
دروس الشيخ سيد حسين العفاني
ژانرها
المرأة وعلو الهمة
المرأة مصنع الرجال، ومنبع الأبطال، فبصلاحها يعم الخير الكثير، وبفسادها ينتشر الشر الوبيل، كيف لا تكون كذلك وهي الأم المربية، والأخت الناصحة، والزوجة المرشدة، والبنت الطائعة.
وفي التاريخ الإسلامي الكثير والكثير من النماذج المشرقة لنساء صالحات مرشدات تائبات قانتات، أصلحن علاقتهن مع خالقهن ومع كل من حولهن.
1 / 1
تشريف الإسلام للمرأة
المرأة نصف الأمة، ثم هي تلد لها النصف الآخر، فهي أمة بأسرها، يقول الشاعر وهو الشيخ يوسف القرضاوي: يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يرجونها للهو واللعبِ هل يستوي مَن رسول الله قائده دومًا وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطا حمالة الحطب أختاه لست بنبت لا جذور له ولست مقطوعة مجهولة النسب أنت ابنة العُرْب والإسلام عشت به في حضن أطهر أم من أعزّ أبِ فلا تبالي بما يلقون من شُبه وعندك العقل إن تدعيه يستجب سليه من أنا ما أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب وما مكانيَ في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيرًا أو اكتسبي سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب في ركبه شرف الدنيا وعزتها ويوم نبعث فيه خير منقلب فإن أبيتِ سبيل الله فاتخذي سبيل إبليس رأس الشر والحرب إن ضياع الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا كان بسبب المرأة، فهذه إيزابيلا زوجة فرديناند ملك إسبانيا، أسقطت حكم المسلمين في إسبانيا يوم أن كان آخر خلفاء المسلمين اسمًا على مسمى: أبو عبد الله الصغير.
فأضاع ملك المسلمين نظير أن يكون ملكًا من قبل فرديناند ملك إسبانيا، ويكون الملك لبنيه ولأحفاده من بعده، هناك رواية التاريخ الأسباني تسمى: إيزابيلا صاحبة القميص العتيق، فالأسبان يمجدون هذه المرأة التي أقسمت ونذرت ألا تخلع قميصها الداخلي، وألا تهنأ بزوج حتى يسقط ملك المسلمين من إسبانيا، وكان لها ما أرادت.
ويوم أن أخرجت أبو عبد الله الصغير من ملكه في قصر الحمراء بكى أبو عبد الله كالصغار، فقالت له أمه عائشة: ابك كالنساء، ملكًا لم تحافظ عليه مثل الرجال.
والمرأة التي أذاقت المسلمين في العصر الحديث الويلات، والتي ثأرت لدينها ولبني قومها باحتلال أرض العرب والمسلمين، هي غولدا مائير، وقد قال عنها بن غريون في مذكراته: سيذكر التاريخ يومًا من الأيام أن امرأة طافت أوروبا وأمريكا وجمعت ملايين الدولارات؛ من أجل إقامة إسرائيل، وسيذكر التاريخ أن غولدا مائير هي الرجل الوحيد في إسرائيل.
1 / 2
عناية الإسلام بالمرأة
إن المرأة أمرها عظيم؛ لذا فقد شرفها الإسلام وكرمها، وجعلها هي والرجل من أصل واحد، فقال الله ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء:١]، وقال النبي ﷺ: (إنما النساء شقائق الرجال)، وساوى الله ﵎ بين الرجل والمرأة في العمل وفي الأجر فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء:١٢٤]، وقال ﵎: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧].
فالإسلام هو الذي شرف المرأة، ولذا قال رسول الله ﷺ: (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)، وقال رسول الله ﷺ: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والجار الصالح، والمركب الهنيء)، وقال رسول الله ﷺ: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، والطيب لا يحب إلا الطيب، يقول ﵊: (جعلت قرة عيني في الصلاة)، فيابن آدم! خل بينك وبين سيدك ودًا وصلة تدخل عليه أنى تشاء.
ذكر النبي ﷺ من الطيبات المرأة، ثم ذكر الطيب، ثم ذكر الصلاة، فجمع المرأة إلى الطيبات، إلى الطيب وإلى الصلاة.
وقال رسول الله ﷺ: (قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتسبه الناس).
وقال رسول الله ﷺ: (ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة).
وقال رسول الله ﷺ: (كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها).
وقال رسول الله ﷺ: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك).
وقال رسول الله ﷺ: (استوصوا بالنساء خيرًا).
وقال ﷺ: (إن الله يوصيكم بالنساء خيرًا).
وقال رسول الله ﷺ: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة).
وقال ﷺ: (خياركم خياركم لنسائهم)، وقال ﷺ: (خياركم خيركم لأهله).
وقال رسول الله ﷺ: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وقال الأديب الرافعي: النساء منجم السعادة، فرجل واحد لا يكاد يمد يده حتى يضعها على الجوهرة المشرقة، ومائة رجل يغربلون حصى شارع؛ ليجدوا فيها جوهرة تلمع فما يجدونها.
ولذلك المرأة لزوجها رزق من الله ﵎، يقولون: كم من امرأة جميلة تراها أصفى من السماء، مثل النسيم العليل، ثم تثور يومًا فلا تدل ثورتها على شيء إلا كما يدل المستنقع على أن الوحل في قاعه، الخبيثات للخبيثين كما إن الطيبات للطيبين.
قيل لأرض حصيبة -أرض ملؤها الحصى نكدة -: ما تشتهين أن يكون زوجك لو كنت امرأة؟ فقالت: الفأس، أي: حتى تقطعها من رأسها.
وقال مصطفى صادق الرافعي أديب الإسلام يرحمه الله: المرأة ريحانة بيتها، إذا ضاقت الدار فلم تتسع فلم لا تتسع النفس التي فيها؟ المرأة وحدها هي الجو الإنساني لدار زوجها، فواحدة تدخل الدار تجعله روضة نضرة متروحة ساكنة، وإن كانت الدار قحطة ليس فيها كبير شيء، وامرأة أخرى تدخل الدار فتجعله مثل الصحراء، برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنة السندسية، مثلما قال الحطيئة لأمه وزوجته: أغربالًا إذا استودعت سرًا وكانونًا على المتحدثينا إنما تكون المرأة مع رجلها من أجله؛ لأنه زوجها، ومن أجل الأمة، فعليها حقان لا حق واحد، أصغرهما كبير، ولو إن المرأة عاشت بهذه الذات فإنها نصف الأمة، فإن أخبرها زوجها تقول: أعيش من أجل الجماعة الكبرى، فتكون المرأة مع رجلها من أجله ومن أجل الأمة معًا، فعليها حقان لا حق واحد أصغرهما كبير؛ لأن النبي ﷺ قال: (لا يصلح للبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده! لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه) والحديث صحيح.
فالإسلام العظيم كرم المرأة حين وضعتها الجاهلية الخبيثة القديمة، والجاهلية الحديثة في الحضيض.
1 / 3
إهانة الجاهلية الحديثة للمرأة
في أمريكا في السبعينات كانت هناك إحصائية رسمية طلبت من المكتب الرسمي للإحصائيات، فقالوا: إن في أمريكا عشرين مليون لقيط، وكان ساعتها عدد أمريكا مائتين مليون، يعني: كان في أمريكا كل واحد من عشرين ابن حرام، هذا في السبعينات أما في هذا الوقت فكيف؟! وأيضًا في الثمانينات عملوا إحصائية، وجدوا فيها أن ٤٦% من النساء يمارسن السحاق، وهذا في سنة ستة وثمانين.
ورصدوا إحصائية: أن كثيرًا من النساء يرضعن أولادهن مع الحليب المخدرات، من أجل أن ينام الطفل؛ حتى أصيب الأطفال الرضع بالإدمان، وهذا من كلامهم.
كما أباحت الكنائس في أوروبا وفي أمريكا أن يتزوج الرجل بأمه وبأخته!! يقول الشيخ عبد الله عزام ﵀ في كتابه مستقبل الإسلام: كنت أحتفظ في جيبي دائمًا بصورة شاب في العشرين من عمره، وقد تزوج جدته وهي في السبعين من عمرها، في قرية بالقرب من لوس أنجلوس.
فهذه الحضارة الأوروبية النكدة، وهذا ما يريدون للمرأة، علاوة على نوادي العراة، وحفلات الشذوذ الجنسي الجماعي، وتبادل الزوجات.
ووجدوا أن من أخطر المجرمات في أمريكا عشر من النساء، ثلاث منهن من رائدات التحرر المثالي.
1 / 4
صور من إكرام الإسلام للمرأة
الإسلام العظيم كرم المرأة حين صور بيتها تصويرًا بديعًا يشع منه التعاطف والندى، ويفوح منه العبير.
أي تكريم للمرأة فوق أن يسمي الله ﷿ سورة من كلامه في القرآن باسم النساء؟ وسورة أخرى باسم امرأة وهي مريم البتول ﵂؟! وأي تكريم للمرأة أجل من أن القرآن كان ينزل في مخدع عائشة؟! أي تكريم أعلى من أن الله ينزل قرآنًا في براءة امرأة كما قالت: وبرأني الله من فوق سبع سماوات، وهي الصديقة بنت الصديق؟! أي تكريم أجل من أن يتولى الله بنفسه تزويج امرأة، وهي زينب بنت جحش فكانت تفتخر على أمهات المؤمنين فتقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات؟! فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال وأكمل النساء تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة؛ بنور الإيمان، تقر في كل شيء معناه السماوي، فهذه المرأة كالمعبد، وكالقوة المسعدة لزوجها، فالمرأة الحق هي تلك التي خلقت لتكون خلف الرجل، مادة الفضيلة والصبر والإيمان تكون له إلهامًا وعزاء وقوة، وزيادة في سروره ونقصًا من آلامه، ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد، وهي أن تجعل زوجها أعظم منها، فنحن لا نعرف اسم زوجة الشافعي، ولا زوجة البخاري، ولا من تكون أم سفيان الثوري، فهذه المرأة وأمثالها اختفت خلف زوجها وصنعت منه رجلًا عظيمًا.
1 / 5
علو الهمم عند النساء
تعال إلى علو الهمة لنحلق في آفاق عالية، نسأل الله ﵎ أن يجعل في بيوتنا حظًا من هذه الهمة العالية.
العلماء عندما يقارنوا بين السيدة خديجة وبين عائشة ﵄ يقولون: إن خديجة أفضل؛ لأن الله ﵎ سلم بنفسه عليها فقال: (أقرئ خديجة من ربها السلام)، أما عائشة فقد سلم عليها جبريل، يعني: الأولى سلم الله عليها بنفسه، وبلغها ذلك النبي ﷺ، وهذه سلم عليها جبريل فقط.
فمن أمثلة علو الهمة عند النساء:
1 / 6
علو همة امرأة فرعون
زوج فرعون مثال عال للاستعلاء على عرض الدنيا النتنة، فحينما تطل بكبرياء أهل الجنة على زخرف الأرض وتقول: لا أريده، قال الله ﵎: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم:١١]، فهي لم يصدها طغيان الكفر الذي تعايشه في قصر فرعون عن طلب النجاة من ربها؛ وإنما تبرأت من قصر فرعون طالبة من الله بيتًا في الجنة، ولما حرمت من السكن في دار الدنيا تبرأت من صلتها بفرعون، وتبرأت من عمله، وخافت أن يلحقها شيء لأنها ألصق الناس به، وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم، فهذه المرأة السيدة الكاملة مثل للاستعلاء على عرض الدنيا في أبهى صوره، فلقد كانت امرأة فرعون الذي كان أعظم ملك في الأرض يومئذ، وكانت في قصره الذي يمثل أمتع مكان تجد فيه المرأة ما تشتهيه، فاستعلت على هذا بالإيمان وحده، واعتبرته شرًا ودنسًا وبلاء تستعيذ بالله منه، وطلبت النجاة منه.
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر؛ فالمرأة أشد شعورًا بوطأة المجتمع وبتطوراته، وهذه المرأة كانت وحدها في وسط هذا المجتمع الكافر العريض، في وسط ضغط القصر وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، ففي وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي.
وهي نموذج عال في التجرد لله ﷿ من كل هذه المؤثرات، ومن كل هذه الأواصر والمعوقات، ومن ثم استحقت أن تذكر في كتاب الله الخالد، الذي تتردد كلماته في جنبات النفوس.
فهي امرأة عظيمة بحق، يذكرها الله ﷿ في كتابه العظيم.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﵂.
1 / 7
علو همة مريم البتول
ومريم البتول ﵂ رمز للتجرد لله ﵎ وكمال العبادة، قال الله ﵎: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران:٣٧]، فقد كانت ولية من أولياء الله ﵎، تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
والكرامة ثابتة عند أهل السنة والجماعة للصالحين من عباد الله ﵎.
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا مريم وابنها)؛ ولذا قال الله ﷿: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران:٣٧]، وقال رسول الله ﷺ: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان؛ فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه).
1 / 8
فضل أم المؤمنين خديجة
ولو لم يكن للنساء من فضل في هذه الأمة إلا أن أول مسلم كانت خديجة بإجماع المسلمين كما قال ابن الأثير، وأول شهيد في الإسلام سمية أم عمار.
قال ابن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين.
ويقول سيدنا الرسول ﷺ: (خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران).
وقال رسول الله ﷺ: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب)، ومعنى: (من قصب) أي: من عيدان اللؤلؤ، وعيدان اللؤلؤ مستقيمة مستوية، ثم قال ﵊: (لا صخب فيه ولا نصب)، وكذا كل بيوت الجنة، كما قال الله ﷿: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة:٢٥ - ٢٦]، ولكن ينص النبي ﷺ على هذه الخاصية في بيت خديجة بالذات، وقد بشر ﵊ خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب؛ وذلك لما دعاها النبي ﷺ إلى الإسلام أجابته خديجة طوعًا، ولم تحتج إلى منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عن النبي ﷺ كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، كما قال فيها النبي ﷺ: (آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس).
وهي التي واست النبي ﷺ، وآزرته وقالت له: (أبشر فوالله! لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق)، فهي خاصية من جمل الخصائص التي تميزت بها السيدة خديجة على باقي أمهات المؤمنين! وما عارضت النبي ﷺ في أمر، وهناك من يقول: الأولى للداعية أن يتزوج داعية أو عالمة فإن لم تتحل بالورع فستجعل حياته نكدًا، فعندما يقول لزوجته الفقيهة -مثلًا- قال الشافعي أو قال مالك، فستقول له: أنا على رأي الأحناف، فإن لم يرزقها الله ﷿ ورعًا ستشعل بيته حريقًا.
ولكن عندما تكون لا تعرف إلا أعمال البيت، وتصلي خمسها، وتصوم شهرها، وتحفظ فرجها، وتكون ذاكرة عادلة فهذا خير لها ولزوجها، فأنت لا تريد من المرأة إلا أن تحسن التبعل لك، فلا ترفع صوتها على صوتك، وأحلى وأعطر كلمة تقولها المرأة لزوجها: يا سيدي، تعطر بها فمها وتنال بها رضا ربها.
فقد كانت رابعة بنت إسماعيل الشامية إذا طبخت قدرًا من الطبيخ تقول لزوجها: كله يا سيدي، فوالله! ما نضج إلا بالتسبيح.
وأم الدرداء كانت إذا ذكرت زوجها بعد موته، تقول: حدثني سيدي أبو الدرداء.
ويقول النبي ﷺ: (لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه)، فنحن نقول: لو أن المرأة تعلم حق زوجها فسيكون عندها شيئًا كبيرًا عظيمًا، هو سيدها فلو أقرت لزوجها بالأمر هذا سيكون البيت أجمل ما يكون، ولو نظرت إلى زوجها وكأنه أقل منها في شيء فسيكون البيت دمارًا.
ونحن نعرف امرأة حاصلة على الدكتوراة في العلوم الشرعية، وهي متزوجة من مكنيكي لا يعرف إلا الصامولة ونحوها، ولكنه ملتزم، وبرغم هذا فهي من أسعد الزوجات وزوجها من أسعد الأزواج.
فلا يصح أن تنظر المرأة لزوجها بعين النقص فتجعل البيت شجارًا ودمارًا.
والنبي ﷺ كان يركز على هذه النقطة فبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
1 / 9
صبر وتوكل هاجر
والمرأة عظيمة في توكلها على الله ﷿، فهذه أم إسماعيل زوج الخليل إبراهيم، لما أتى بها سيدنا إبراهيم إلى جبال فاران موضع مكة الآن، وهي لا ترى إلا رمال الصحراء، وهديرها الكالح، فتقول: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ يقول: نعم، تقول: إذًا فلن يضيعنا.
وهذا ليس بكلام عفوي، أي: يخرج تلقائيًا، فلو لم يكن عندها يقين لما تركته يذهب، فهي تعلم - إن لم يكن عندها يقين بربها - أن في ذهابه موتها، فهو لمن سيتركها ورضيعها في الصحراء؟ ليس عندها إلا تمر، وجراب من ماء فقط، لكنها قالت له: اذهب؛ لأنه بقي عندها الزاد العظيم من التوكل، ولكنه بالله ﵎، وقد قال النبي ﷺ: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل)، أي: بطول الأمل.
ولما ظلت تلهث بحثًا لرضيعها عن الماء سمعت صوتًا، فقالت لنفسها: صه، وكأنها تسمع نفسها، ثم قالت: أغث إن كان عندك غوث، وهنا تبدا لها جبريل أمين وحي السماء، وقال لها: من أنت؟ قالت: أنا أم إسماعيل وزوج إبراهيم، قال: إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله، فقال لها: وكلكما إلى خير كاف، لا تخشي الضيعة، إن الله لا يضيع أهله.
1 / 10
صبر ويقين أم موسى
وأم موسى كان اليقين يملأ قلبها بما عند الله ﵎، قال الله عنها: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص:١٠] أي: من كل شيء إلا من محبة ابنها فقد ملأت شغاف قلبها، وبرغم هذا ألهمها الله ﷿ بقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص:٧]، ومعلوم أن المرأة إذا خافت على ولدها تضمه إلى صدرها، فما بال أم موسى تلقيه إلى البحر؟! وذلك ليقينها بما عند الله ﷿، فهي مثل عال في اليقين، وفي التوكل على الله ﷿، وفي الثقة به سبحانه وتفويض الأمر إليه، وقال بعضهم: لا تدبر لك أمرًا فأولوا التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحو أولى بك منكا
1 / 11
فضل فاطمة بنت رسول الله
وفاطمة ﵍، البضعة النبوية والجهة المصطفوية، يقول عنها النبي ﷺ: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية)، كانت ﵂ تدير الرحى حتى ظهرت في يدها وفي كفها الثآليل - الفقاقيع - وحتى تأثرت يداها وأثرت الرحى في صدرها، وكانت تستعين على خدمة البيت بالتسبيح.
وعن الشعبي ﵀ أنه قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة! هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ فقال: نعم -قال الذهبي: عملت السنة ﵂، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره- قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، وكان هذا بعد موت النبي ﷺ، حتى رضيت.
والإسناد صحيح.
وكان مهرها درع علي الحطمية، ومن من النساء الآن تقبل هذا؟! فكيف نريد دولة إسلامية، أو خلافة على منهاج النبوة، ولا يوجد من النساء من تقبل هذا؟! قال: كان مهرها درع علي الحطمية، أهديت إليه، ومعها خميلة، ومرفقة من أدم حشوها من الليف، وقربة، ومنخل، وقدح، ورحى، وجرابان، ولم يكن لها فراش غير جلد كبش، ينامان عليه بالليل وتعلف عليه الناضحة بالنهار، والناضح يعني: الإبل التي تحمل الماء.
وهي من هي، فهي بضعة من رسول الله ﷺ، كنست وطحنت وأثرت الرحى في صدرها، واستعانت على خدمة البيت بالتسبيح، كما وصاها بذلك رسول الله ﷺ.
قال ابن الجوزي: تالله! ما ضرها ذلك.
أذهب الله عنها وعن سائر بيتها الرجس، وطهرها تطهيرًا، وقد كان النبي ﷺ يحبها ويكرمها ويسر إليها، وكانت صابرة على شظف العيش مع زوجها علي ﵁، دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله.
عن أبي البحتري: قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجًا، وتكفيك هي العمل في البيت أي: من العجين والخبز.
ونساءنا اليوم لا يعرفن الطحن أو الخبازة والعجين، بل لا يعرفن ما هو العجين، ولا ما هو الخبز، فليحمدن الله ﷿ على ذلك.
وتجد المرأة في الستين من عمرها وهي تقول لمن هن دونها في السن: احمدن الله ﷿، فأنتن في كامل الراحة، فاجعلوا بيوتكن جنات لأزواجكن، يكفي شظف العيش الذي يلاقيه الرجال.
وعن حذيفة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلم علي لم ينزل قبلها، فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)، وكل الأحاديث التي ذكرتها ذكرها الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
وكان الإمام أحمد إذا سئل عن علي وأهل بيته، قال: أهل بيت رسول الله لا يقاس بهم أحد.
وعن عائشة ﵂ قالت: ما رأيت أحدًا كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها، يعني: رسول الله ﷺ.
1 / 12
قبسات من حياة أم المؤمنين عائشة
أما الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله ﷺ، وزوجة نبينا في الدنيا والآخرة، الفقيهة الربانية، مات عنها رسول الله ﷺ بعد أن أقام معها تسع سنوات، وحين مات ﷺ ما كانت قد بلغت بعد السنة التاسعة عشرة يعني: لما مات النبي ﷺ كان سنها ثماني عشرة سنة، على أنها ملأت أرجاء الدنيا علمًا، فقد وعت من أحاديث النبي ﷺ ما لم تعه امرأة من نسائه، وروت عنه ما لم يرو مثلها أحد من الصحابة إلا أبو هريرة وعبد الله بن عمر.
قال الإمام الذهبي: لا أعلم في أمة محمد ﷺ بل ولا في النساء مطلقًا امرأة أعلم منها.
نشهد أنها زوجة نبينا ﷺ في الدنيا والآخرة، وما نزل الوحي إلا والنبي ﷺ في لحاف عائشة، يقول النبي ﷺ: (ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها).
وكانت ﵂ من أنفس الناس رأيًا في أصول الدين، ودقائق الكتاب المبين، وكان لها الاستدراكات العظيمة على الصحابة، فإذا علموا ذلك منها رجعوا إلى قولها.
يقول أبو موسى الأشعري ﵁: ما أشكل على أصحاب رسول الله ﷺ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا.
وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد ﷺ يسألونها عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس.
وقال الزهري: لو جمع علم الناس كلهم وعلم أمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علمًا.
ويبلغ مسند عائشة ﵂ (٢٢١٠) أحاديث.
ولما ذكر الإمام ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام، على كثرة ما نقل قدم عائشة على سائر الصحابة في نقل الفتاوى عن النبي ﷺ.
وروت عائشة من جملة صحيح البخاري ومسلم مائتين ونيفًا وتسعين حديثًا، وحمل عنها ربع الشريعة بأكملها.
قال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بخطب ولا بشعر من عائشة.
يقول أيضًا: لقد صحبت عائشة -وهي خالته- فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى للشعر، ولا بيوم من أيام العرب -أي: تاريخ العرب- ولا بنسب، ولا بقضاء منها.
فهذا فضل عائشة ﵂.
1 / 13
عبادة أم المؤمنين عائشة
أما عبادتها، فقد قال القاسم: كانت عائشة تصوم الدهر -أي: تسرد الصوم- ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
وعن عروة: أن عائشة كانت تسرد الصوم، يقول: كانت تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
وعن القاسم ﵀ قال: كنت إذا غدوت -يعني: إذا صلى الغداة أو الصبح- أبدأ ببيت عائشة ﵂ فأسلم عليها، فغدوت يومًا فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور:٢٧]، تدعو وتبكي وترددها، فظللت منتظرًا حتى مللت القيام.
ثم ذهبت إلى السوق لحاجتي فرجعت فإذا هي قائمة تصلي وتبكي وتقول: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور:٢٧].
وعن عروة ﵁ قال: كانت عائشة ﵂ لا تمسك شيئًا جاءها من رزق الله إلا تصدقت به.
وقال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بـ (١٠٠٠٠٠) درهم، فقسمتها، لم تترك منها شيئًا، فقالت لها بريرة: أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا، فقالت: لو ذكرتيني لفعلت.
أي: أنها تنسى نفسها عند الصدقة.
وعن عروة قال: إن عائشة تصدقت بـ (٧٠٠٠٠) درهم، وإنها لترقع جانب درعها.
ما منا أحد حتى ممن ضيق الله ﷿ عليه الرزق يرضى أن يكون له ثوبًا مرقعًا، هذا بالنسبة للرجل فما ظنك بالنسوة! مالوا فملن، ولما يفسد الرجال تفسد النسوة.
وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة كانت تغشى عائشة ﵂، قالت: بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين كبيرتين بمائة وثمانين ألف درهم، فدعت في طبق وهي صائمة يومئذ، فجعلت تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم، فلما أمست قالت: يا جارية! هلمي فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمتي اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه، قالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتيني لفعلت.
1 / 14
تواضع أم المؤمنين عائشة
وفي مرض موتها دخل عليها عبد الله بن عباس ﵄ فقال: أبشري فوالله! ما بينك وبين أن تلقي محمدًا ﷺ والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء النبي إلى رسول الله ﷺ، ولم يكن رسول الله ﷺ يحب إلا طيبًا، فقالت: يا ابن عباس! دعني منك ومن تزكيتك، فوالله! لوددت أني كنت نسيًا منسيًا.
وهذا من تواضع عائشة ﵂.
فكانت قدوة من حيث الصدقة، ومن حيث صيام الدهر، ومن حيث العلم، ومن حيث العبادة.
ومن ذلك أنه يذهب ابن أختها إلى السوق وهي تصلي ثم يشتري حاجته، ثم يقف عندها حتى يمل من القيام، وهي ما خرجت بعد من سنة الضحى.
1 / 15
علو الهمة عند أم المؤمنين زينب
ومن علو همة أم المؤمنين زينب بنت جحش في الصدقة أنها كانت امرأة صناعة، أي: تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله.
قالت عائشة ﵂: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله ﷺ، ولم أر امرأة قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد التزامًا بنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به إلى الله ﵎.
أما في قيام الليل فحدث عنها ولا حرج، فقد دخل رسول الله ﷺ المسجد ذات يوم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: لـ زينب، إذا فترت تعلقت به، فقال النبي ﷺ: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد).
وعن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء - أي: عطاء سيدنا عمر لأمهات المؤمنين - بعث عمر إلى زينب ﵂ بالذي لها، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لـ عمر، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني.
تظن أن هذا المال كله جاء لأمهات المؤمنين كلهن، فقالوا: هذا كله لك، فقالت: سبحان الله! ثم استترت دونه بثوب، ثم قالت: صبوه، ثم جعلت عليه ثوبًا آخر، ثم قالت لجاريتها: ادخلي يدك فاقبضي قبضة اذهبي إلى آل فلان وإلى آل فلان من أيتامها ومن ذوي رحمها، فقسمته حتى بقيت منه بقية، فقالت لها برزة: غفر الله لك، والله! لقد كان لنا من هذا حظ، فقالت: لكم ما تحت الثوب، فرفعنا الثوب فوجدنا (٨٥) درهمًا، ثم رفعت يدها وقالت: اللهم! لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت قبل أن يأتي العطاء في العام المقبل.
وكان عطاء أم المؤمنين زينب بنت جحش في السنة (١٢٠٠٠) درهم.
حمل إليها فقسمته كله إلا (٨٥) درهمًا فقط.
قالت عنها السيدة عائشة ﵂: لقد ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل.
وفي هذا عظة للإخوة والأخوات، فكل أخت ينبغي أن تسأل عن اليتامى والأرامل والمحتاجات من نساء المسلمين، وهذا دورهن في العمل الاجتماعي، أي: أن يبحثن عن النساء المسلمات المتعففات، اللاتي لا يجدن القوت، وأن تكون المرأة مسبحة ذاكرة صائمة متهذبة بكاءة خيرًا لها، بعد أن تتعلم العلم المفروض عليها، ونحن قلنا: يجب أن يصحح الاعتقاد أولًا، أي: أن يكون مجمل الاعتقاد صحيح، وما فرض الله عليك من الصلاة والصيام والزكاة إن كنت غنية، ثم أقبلي على حفظ كتاب الله ﷿، وكثرة الذكر.
وصح أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر ﵂ طلقها النبي ﷺ وقد حسن ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة، وكذا الشيخ الألباني، ثم راجعها سيدنا الرسول ﷺ بأمر من جبريل؛ لأن النبي لما طلقها نثر عمر التراب على وجهه وسار في طرقات المدينة وقال: ما أصبح الله يبالي بـ عمر ولا بابنة عمر، فنزل جبريل وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة؛ لأنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
1 / 16
علو الهمة عند أسماء بنت أبي بكر
وأسماء بنت الصديق ﵂ لما هاجر النبي ﷺ من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله (٥٠٠٠) أو (٦٠٠٠) فأتى جدها أبو قحافة وكان قد عمي فقال: إن هذا قد فجعكن بماله ونفسه، فقالت: كلا قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت: فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة في البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذت بيده ووضعته على الثوب، فقالت: ترك لنا هذا، فقال: أما إن ترك لكم هذا فنعم.
وعن عبد الله بن زيد قال: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندها قسمته، وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئًا لغد.
ومن ضمن الرسائل التي وصلتني رسالة أخ يقول فيها: أخي الشيخ الفاضل حسين! إني أحبك في الله لم أنس يا شيخنا آخر مرة سمعت لك فيها، تحدثت فيها عن فضل العلم وطلبه، فجزاك الله خيرًا، والحقيقة عندما أردت أن أحضر اليوم أنا وزوجتي لكي نسمع لفضيلتك، لم يكن معنا إلا أربعة جنيهات فقط، فهل كنا نبقيها للطعام أم نجعلها للمواصلة، فآثرنا غذاء الروح على غذاء البطن، وجئنا لكي نستفيد من علمك.
فنسأل الله ﷿ أن يبارك في هذا الأخ وفي زوجه، والله! لو قدم علي يكون ضيفي هو وأهله فسوف أضعه في عيوني.
فـ أسماء ﵂ ما كانت تمسك شيئًا لغد، وكانت إذا مرضت تعتق كل مملوك لها، وتتصدق بكل أكل عندها.
وعن ابن أبي ملكية قال: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر.
1 / 17
علو همة سيمة بنت خياط
وسمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام، أم عمار وهي سابع سبعة في الإسلام، كان بنو مخزوم إذا اشتدت الظهيرة والتهبت الرمضاء، خرجوا بها وبابنها وزوجها إلى الصحراء، وألبسوهم دروع الحديد، وأهالوا عليهم الرمال المتقدة، وأخذوا يرضخونهم بالحجارة، فاعتصمت بالصبر، وقرت على العذاب، وأبت سمية أن تعطي القوم ما أرادوا من الكفر بعد الإيمان، فذهبوا بروحها وأفظعوا قتلتها، فلقد أنفذ النبل أبو جهل بن هشام أنفذ حربته فيها، فماتت ﵂، وكانت أول شهيد في الإسلام.
سمية لا تبالي حين تلقى عذاب النكر يومًا أو تلين وتأبى أن تردد ما أرادوا فكانت في عداد الصابرين
1 / 18
صبر أم شريك
وبصبر أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم أسلم من عذبوها، قال ابن عباس: وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًا فتدعونهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، فقالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعمونني ولا يسقونني، فنزلوا منزلًا وكانوا إذا نزلوا أوقفوني في الشمس واستظلوا هم، وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا.
فبينا أنا كذلك إذا بأثر شيء بارد وقع علي منه، ثم عاد فتناولته فإذا هو دلو ماء، قالت: فشربت منه قليلًا ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلًا ثم رفع، ثم عاد أيضًا، فصنع ذلك مرارًا حتى ارتويت، ثم أخذت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على جسدي وعلى ثيابي، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت؟ أي: هل فككت الرباط، فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقلت: لا والله! ما فعلت ذلك، بل كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إلى الأسقية ووجدوها كما تركوها، فأسلموا من ساعتهم.
1 / 19
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
وهكذا أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط زوجة عبد الرحمن بن عوف كان أبوها شيطانًا من شياطين الكفر، فأسلمت وفارقت خدرها ومستقرها ومأمنها تحت جنح الليل وحيدة فريدة شريدة، تطوي بقدميها ثنايا الجبال وأغوار التهائم بين مكة والمدينة، إلى مفزع دينها ودار هجرتها؛ إلى رسول الله ﷺ، ثم أتت بعد ذلك أمها فاتخذت سنتها، وهاجرت هجرتها، وتركت شباب أهل بيتها وكهولتهم وهم في ضلالهم يعمهون.
وأم كلثوم المغنية كانت دماء المسلمين التقية الندية تسيل على رمال سيناء وهي تصيح في المخدرين والسكارى والنائمين: هذه ليلتي وحلم حياتي! ولو أن الخيال يبعث حيًا هوت الكأس من يديه حطاما كوكب الشرق ذل قومي لما جعلوك على الصدور وساما وأم حواري الرسول ﷺ وعمته، أول امرأة قتلت رجلًا من المشركين، صفية بنت عبد المطلب، حدث عنها ولا حرج.
1 / 20