- قال تعالى: (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا) [القمر: ١٢]، ما الفرق لو قال: (وفجَّرْنا عيونَ الأرضِ)؟
فإذا كان طالبُ الشريعة الذي سيغدو أستاذًا للعلوم الإسلامية عاجزًا عن الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم، فكيف يكون حالُ أبنائنا وهم يدرسون دينَهم على يديه؟ أمّا إذا كان حالُ معلِّمي اللغة العربيّة كذلك؛ فتلك أدهى وأمَرّ.
والعَجَبُ كلُّ العجبِ ممَّن يتكلَّمُ في التَّفسير وهو مُفتقِرٌ إلى علوم العربيّة وبلاغتِها؛ إذْ لا يستطيعُ امرؤٌ تفسيرَ آيةٍ، أو استنباطَ حُكْمٍ، أو تأويلَ حديثٍ مُشكِلٍ؛ إلّا إذا تعلَّمَ لسانَ القرآن وبلاغتَه، وأصبحَ خبيرًا بأساليب العربِ في تصريفِ كلامِها؛ فعلمُ البلاغةِ شرطٌ لازمٌ وغيرُ كافٍ لتحصيلِ العلوم الشّرعيّة.
وقد ذَكَرَ السُّيوطيُّ في كتابِه الإتقان خمسةَ عشرَ شرطًا للمُفَسِّرِ؛ هي: «اللُّغةُ، والنَّحوُ، والتَّصريفُ، والاشتقاقُ، والمعاني، والبيانُ، والبديعُ، وعلمُ القراءاتِ، وأصولُ الدِّينِ، وأُصول الفِقهِ، وأسبابُ النُّزولِ، والنّاسِخُ والمنسوخُ، والفقهُ، والأحاديثُ المُبَيِّنةُ لتفسيرِ المُجمَلِ والمُبهَمِ، وعِلمُ المَوهبةِ». فنصفُ شروطِ المفسِّرِ إتقانُ علوم اللُّغة العربيّة، ونصفُها الآخَرُ لا يكونُ إلّا بعد إتقانِ علوم اللُّغة العربيّة، وبعدَ ذلك كُلِّه نرى في زمانِنا مَن يتجرَّأُ على الخوض في التَّفسيرِ والتّأويلِ مع أنَّه لم يُحِطْ بعلوم العربيّة.
ونرى أنّ كثرةً من أبناء أُمّتنا الإسلاميّة من عَوامِّها وخَواصِّها قد حِيْلَ بينَها وبين فَهْمِ كتاب الله تعالى بسبب عُجْمتِها، وعدم إتقانِها لعلوم العربيّة (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: ٢].
فأضحى أبناؤنا لُقمةً سائغةً في براثنِ بعض المستشرقين الحاقدين
1 / 13