وقد أصبحت بيبو
Beppu
ملتقى كل من في اليابان، من سحرة ومشعوذين يستغلون المارة والحجاج والمرضى، فيستولون على عقولهم وعلى دراهمهم. وإلى جانب هؤلاء مفسرو الأحلام والناظرون في طوالع النجوم والعارفون بالبخت.
وقد زاد أقوالهم تأثيرا ونبوءاتهم مهابة بخار البراكين المتصاعد من حولهم، كأنه أرواح التماثيل المنتصبة أمام أبصارهم، وهذا ما جعل جزيرة الأبالسة أرض الحديث الموحى، والشفاء العجيب.
الحماقة البشرية
لا أذكر أين قرأت أن أحد القواد العظام - وأظنه فيليبكوس إمبراطور القسطنطينية - كان كلما أشرف على معركة وأزفت ساعة القتال يذرف الدمع سخيا؛ حزنا على من سيقتل فيها من الرجال. وسواء أكانت دموع تمساح أم رحمة أم إفراط في التعبد، فهي شاهد على حماقة الإنسان الذي لا يحجم عن قتل أخيه الإنسان.
من يدري عدد الضحايا التي تفترسها الحرب من كل جيل منذ وجد الإنسان على هذه الأرض إلى يومنا هذا؟ يقول فلاماريون: إن الحرب السبعينية وحدها أطاحت بنصف مليون رجل، وحرب الانقسام في أميركا بمليون، وحروب الإمبراطورية بخمسة ملايين. وإذا أضفنا إلى ذلك من قتل في حروب إيطاليا والنمسا وغيرها بلغ مجموع القتلى 19 مليونا.
وهكذا منذ بداية التاريخ لا ينقضي جيل دون أن تبيد الحرب منه مثل هذا العدد. وقد يبلغ عدد القتلى في المعركة الواحدة مائتي ألف رجل، كما في غارات أتيلا أو المواقع التي هزم فيها ماريوس الروماني قبائل التتون والسمبر، أو حروب جنكيز خان وتيمور لنك اللذين كانا يقيمان في كل محطة من طريق الفتوحات أهراما من رءوس القتلى، فيكون مجموع من يموت في كل عصر من العصور بالحروب الدينية والسياسية والأهلية على تقدير فلاماريون أربعين مليونا.
منذ طروادة وداود وسميراميس وسزوستريس وكسرى وقمبيز والإسكندر أربعون مليونا من الرجال تراق دماؤهم كل مائة سنة، وكثيرا ما يرافق هذه الدماء ألحان المرتلين والتسابيح للآلهة. أربعون مليونا كل مائة سنة لو جمعت معا لبلغ عددها مليارا وربع المليار؛ أي ما يقرب من عدد سكان الأرض اليوم.
يا له من رقم هائل! أربعون مليونا كل مائة سنة؛ أي 400 ألف كل سنة؛ أي 30 ألفا كل شهر؛ أي 1100 كل يوم؛ أي واحد في الدقيقة. فكأن البشرية قائمة للذبح أبد الدهر، لا تسقط السكين من يدها دقيقة واحدة. لقد ورث الإنسان الحرب عن الحالة الحيوانية، ولا يريد أن يتخلص منها. مائة ألف من السنين على حساب البعض، ومائتا ألف على حساب البعض الآخر أتت على هذا الموجود منذ أتيح له الوجود وهو يناضل ويقاتل. وهذا ما يسمونه تنازع البقاء.
صفحه نامشخص