فقال بعد تردد: أطلب الستر. - أفصح، اطلب ما تشاء، هذا أمر!
تذكر حنظل دعاء أمه وحكايات الليل وأنغام الرباب، ثم ضحك قائلا: كنت أسرح بعربات الفاكهة!
فقال المأمور ويده تكتب في الدفتر: دكان فاكهة بالحسينية، رفوف مزدوجة، كهرباء لحسن العرض.
فتساءل في ذهول: والنقود؟ - لا تشغل بالك، هذا أمر يخصنا ويخص الجميع، تكلم ماذا تتطلب .. إنه أمر!
ووجد حنظل شجاعة جديدة، مستمدة من شخصه الجديد ودكان الفاكهة، فقال بصوت متهدج: سنية بيومي بياعة الكبدة، الحق أني ...
فقال المأمور ويده لا تكف عن التسجيل: لا داعي للشرح، كله معلوم، يعرفه عسكري النقطة، وكل عسكري، وخفير السوق. سنية شابة مليحة وجريئة، ولم تتزوج بعد رغم ما كان، وفي وقت ما كانت أفتك بك من الهوريين، وتمادت في قسوتها فاشتدت حالتك سوءا. وهجرتك، لكنها ستعود إليك، لتكن دكان فاكهة وكبدة، سيكون ذلك شيئا فريدا في الحسينية على مثال محال البقالة الراقية جدا، غيره؟!
مال رأسه من التأثر. وحلمت عيناه بأديم أخضر تنبثق منه ورود حمراء مطوقة بدوائر من البنفسج، وطنت في أذنه نعمة تردد: «يا منية القلب قل لي»، لكنه رأى بقعة سوداء كسحابة من الذباب، فاقشعر بدنه وقال بإشفاق: أخشى ألا تدوم صداقة العساكر يا سيدي المأمور، وإنه وإن يكن لشقائي الماضي أسباب كثيرة؛ فإن العساكر كانوا من الأسباب الهامة في ذلك، طالما طاردوا عربتي لسبب ولغير ما سبب وصادروا رزقي وضربوني، وفي مسألة سنية بالذات؛ فإن أول من لعب بعقلها كان العسكري حسونة!
فارتفعت الضحكة الرطيبة الصافية مرة أخرى، وقال المأمور بلهجة لا تدع مجالا لشك: لن تجد في العساكر عدوا واحدا لك، هم من اليوم وإلى الأبد أصدقاؤك المخلصون، اطلب ما تشاء يا حنظل، هذا أمر!
وثمل حنظل بسكرة شجاعة لم ينعم بها حتى أيام الفتونة، شجاعة مؤيدة بدكان فاكهة وكبد، وحب سنية، وصداقة العساكر، فقال: أمثالي من الفقراء كثيرون لعلك يا حضرة المأمور لا تعرفهم.
فقاطعه قائلا، ويده تكتب دون انقطاع: أعرف كل شيء، دلنا عليهم، وسيكون لكل دكانه وامرأته وصداقة العساكر، سيتحقق هذا كله فاطلب ما تشاء. إنه أمر!
صفحه نامشخص