ضحى الاسلام

احمد امین d. 1373 AH
125

ضحى الاسلام

ضحى الإسلام

ژانرها

20

في الحقيقة إن المهدي فتح للناس باب اللهو، ورسم لهم حدا يقفون عنده فتخطوه، وحاول أن يقفهم عند الحد الذي رسمه بإيقاع العقوبة على من تجاوزه فلم ينجح. •••

انتقل الناس نقلة أخرى من حيث السرف في الترف في عهد الرشيد، ويرجع ذلك إلى أسباب؛ منها ما كان من النشوء الطبيعي للأمة، فكان من انضباط أمورها ما زاد ثروتها، ومكنها من أن تعيش عيشة ناعمة، فقد حكى ابن خلدون: أن دخل المملكة في عهد الرشيد كان في كل سنة 7015 قنطارا.

21

والقنطار في حسابه عشرة آلاف دينار، فيكون مجموع ذلك سبعين مليون ومائة وخمسين ألف دينار. وهي ميزانية ضخمة، تدلنا مهما بولغ فيها على غنى الدولة، وتمكنها من حياة النعيم.

والسبب الثاني: عظم سلطان الفرس في عصره وعلى رأسهم البرامكة، والفرس من قديم يعرفون بالميل إلى اللهو والسرور، والإفراط في حب النبيذ، وقد كانت الديانة الزرادشتية تبيح شرب النبيذ بل تجعله من شعائرها، وما يزال النبيذ كما يقول الأستاذ «براون» إلى اليوم ظاهرة قوية في الحياة اليومية للفرس الزرادشتية. كان الفرس قديما يفرطون في شرب النبيذ، وكانوا يفرطون في سماع الغناء، وكانوا يفرطون في فنون كثيرة من اللهو الطيب، واللهو الخبيث. فلما عاد سلطانهم في الدولة العباسية، وخاصة في عهد الرشيد والمأمون نشروا مع نفوذهم حياة الأكاسرة، وما كان فيها من حضارة ولهو وعبث؛ نقلوا جدهم من نظم سياسية ونحوها، ونقلوا لهوهم من نبيذ ومجالس غناء وغزل، وما إلى ذلك.

وسبب ثالث: يرجع إلى طبيعة «الرشيد» نفسه وتربيته، فيظهر لي أنه كان شابا حاد العاطفة، ولكن ليس من هذا النوع الذي يستسلم كل الاستسلام لشهواته، بل هو مع ذلك قوي النفس، جندي بالغريزة وبالتربية، طالما قاد الجيوش وشرق وغرب، هذه الحدة في العاطفة، وقوة النفس ونضارة الشباب أظهرته بمظاهر مختلفة، يوعظ فيتأثر بالموعظة إلى أن يجهش بالبكاء، ويسمع الغناء فيطرب له كل الطرب، يسمع إبراهيم الموصلي يغني، وبرصوما يزمر، وزلزلا يضرب الدف، فيدعوه الطرب أن يتكلم بكلمة فيها شيء من التورع الديني، يقول: يا آدم لو رأيت من يحضرني من ولدك اليوم لسرك. ثم يندم على قولته فيستغفر الله.

22

نمت عنده العاطفة الدينية، ونمت بجانبها أيضا عاطفة الفنون؛ فهو يصلي، ويكثر من الصلاة، وهو يسمع الغناء فيستجيده، والشعر فيطرب له، تتجه عواطفه إلى جهات مختلفة فيصل فيها إلى نهايتها، يسمع قول أبي العتاهية:

خانك الطرف الطموح

صفحه نامشخص