وفوق هذا، فالأفكار متنوعة، والآراء متعددة، وقضايا كل عصر تخالف ما قبلها، ويراها الباحث فيظنها أول وهلة جديدة، لم ترتبط بما قبلها برباط، ولم تتصل به أي صلة، فيعمل فكره فيما عسى أن يكون بينهما من قرابة أو نسب، وما قد يصل بينهما من سبب.
ففي سبيل الله ما يلاقي مؤرخ الفكر من عناء لا يتناسب وما يحصله من نتاج! •••
سرت في «ضحى الإسلام» سيري في «فجر الإسلام»، رائدي الصدق والإخلاص للحق، فإن أصبت فحمدا لله على توفيقه، وإن أخطأت فالحق أردت، ولكل امرئ ما نوى.
عنيت بضحى الإسلام المائة سنة الأولى للعصر العباسي (132-232ه)؛ أعني إلى خلافة الواثق بالله؛ فهو عصر له لون علمي خاص، كما أن له لونا في السياسة والأدب خاصا، امتاز بغلبة العنصر الفارسي، وبحرية الفكر إلى حد ما، وبدولة المعتزلة وسلطانهم، وبتلوين الأدب من شعر ونثر لونا احتذي على كر الدهور، واختلاف العصور. كما امتاز بتحويل ما باللسان العربي إلى قيد في الدفاتر وتسجيل في الكتب، وما باللسان الأجنبي إلى لغة العرب. وهو في كل هذا يخالف العصور قبله والعصور بعده، مخالفة تجعله حلقة قائمة بنفسها، يصح أن تسمى، وأن تدرس، وأن تميز. على أني أحيانا يدعوني إيضاح الفكرة إلى أن أربطها بما كان منها في العصر الذي قبله، كما قد يدعوني تسلسلها إلى أن أتجاوزه إلى العصر الذي بعده.
وقد رتبته أبوابا أربعة:
الباب الأول:
في الحياة الاجتماعية في ذلك العصر، واجتزأت منها بما له أثر قوي في العلم والفن.
والباب الثاني:
في الثقافات المختلفة؛ دينية، وغير دينية.
والباب الثالث:
صفحه نامشخص