مع أن بعض المشبهة من أهل الكوفة يحكى عنهم أنهم يقولون: إن إلههم له وجه، وأنه يعني سائره إلا وجهه. وفي هذا المذهب شعر مروي يذكر فيه هذا المذهب عنهم. وإنما أتوا في ذلك من سوء التأويل، ومن جهلهم بالله جل وعلا، كما أتيت المشبهة من سوء تأويلها وجهلها بربها (¬1) ، تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
[معنى العين في حق الله تعالى]
العين في كلام العرب على معان مختلفة كثيرة، يطول بذكرها الباب، وأنا ذاكر بعضها للحاجة إليه، منها ما يراد به الجارحة، وهي العين المركبة في الرأس، ومنها ما يراد به الحفظ والمشاهدة، ومنها ما يراد به الدلالة، ومنها ما يراد به العقوبة، ومنها ما يراد به الجودة، ومنها ما يراد به الجاسوس، وغير هذا تركته.
فالعين المركبة في الرأس المصورة فهي عن الله تعالى منفية من قبل أن كل ذي جارحة محدود، والله تعالى ليس بمحدود ولا مختلف ولا متغاير ولا مؤتلف؛ فهو قدير بذاته لا بقدرة سواه، وعليم بذاته لا بعلم سواه، وسميع بذاته لا بسمع سواه، وبصير بذاته لا ببصر سواه؛ وهذه صفة من {ليس كمثله شيء}. وإنما احتجت المشبهة في إثباتهم لله عينا جارحة (¬2) بقوله عز وجل: {ولتصنع على عيني} (¬3) ، وبقوله تعالى: {تجري بأعيننا} (¬4) . وأنا ذاكر ما قاله أهل العلم في التفسير في ذلك، وبالله التوفيق.
/78/ فأما ما يراد به الحفظ فهو قولهم: أنت بعين الله، يعنون: أنت في حفظ الله ومشاهدته، أي: أنت لست بخفي على الله هو معك يحفظك.
وأما العين التي يراد بها العقوبة فقولهم: أصابتك عين من عيون الله، أي: عقوبة ونقمة من نقماته.
صفحه ۱۷۹