طَرَفَة بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. -وطرفة- بالتحريك في الأصل واحدة الطرفاء وهو الإثل (١) وبها لُقب طرفة واسمه عمرو (٢).
وُلد في البحرين في بيت عريق الأصل والمحتد، فقد والده في سن مبكرة فنشأ يتيم الوالد ينفق بغير حساب فضيّق عليه أعمامه ورفضوا أن يعطوه حقه، وجاروا على أمّه، فظلموها حقها ويشير طرفة إلى ذلك في أبيات يقول فيها:
ما تنظرون بحق وردة (٣) فيكم ... صَغُرَ البنونُ ورهط وردة غُيَّبُ
قد يبعث الأمر العظيم صغيرُهُ ... حتى تظل له الدماء تصبّبُ
والظلم فرَّق بين حبَّي وائلٍ ... بكرٌ تساقيها المنايا تغلب
_________
(١) الإثل: المال القديم الموروث.
(٢) الشنقيطي: شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها.
(٣) وردة: وردة بنت قتادة بن عمرو بن مالك بن قيس بن ثعلبة عن المؤتلف والمختلف للآمدي.
1 / 3
ومما يُلاحظ من سيرة الشاعر أن ظلم أعمامه له قد ترك عنده ردّة فعل سلبية فبدل أن يذعن للأمر الواقع، تمرد على حدود القبيلة واجترأ على الأقارب واندفع نحو الملذات ينفق على أصحابه وخلّانه مما زاد من حقد عشيرته عليه معزولًا يعيش بمفرده وهو في ذلك يقول:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردتُ إفراد البعير المعبد (١)
ولكن كيف يُكتب لحياة كحياة طرفة أن تدوم ومن أين يأتي بالمال وليس عنده مورد يدر عليه. أضف إلى ذلك أن صحبة السوء التي كانت بجانبه تخلت عنه حين أصبح صفر اليدين:
أسلمني قومي ولم يغضبوا ... لسَوْءة حلت بهم، فادحهْ (٢)
كلُّ خليلٍ كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحهْ (٣)
كلهم اروغ من ثعلبٍ ... ما أشبه الليلة بالبارحهْ
عاد طرفة إلى أهله لا يلوي على شيء ولا يملك شروى نقير، فحمله أخوه معبد بن العبد على رعاية إبله فأهملها. فأنبه أخوه وقال له: «تُرى إن أخذت تردها بشعرك هذا؟». فقال طرفة: «لا أخرج حتى تعلم أن شعري يردّها». فلجأ طرفة إلى ابن عمه مالك ليعينه على استرجاعها من آخذيها، وكانوا قومًا من مُضر. فانتهره مالك بعنف فتألم الشاعر ونظم معلقته واصفًا حالته وجور أهله عليه وذكر فيها سيدين من أقربائه فمدحهما بكثرة المال والولد وقال:
_________
(١) البعير المعبد: البعير الأجرب.
(٢) السوءة: العشرة السيئة. الفادحة: المصيبة.
(٣) الواضحة: السن التي تظهر عند الضحك.
1 / 4
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالدٍ ... ولو شاء ربّي كنت عمرو بن مرشدِ
فأصبحت ذا مالٍ كثيرٍ وزارني ... بنون كرامٌ، سادةٌ لمسوّدِ
فدعاه أحدهما عمرو وكان له سبعة أولادٍ فأمرهم فدفع كل واحدٍ إلى طرفة عشرة من الإبل ثم أمر ثلاثة من أبناء بنيه فدفعوا له مثل ذلك. فردّ إبل أخيه وقد ردّها بشعره كما قال، وأقام ينفق من الباقي حتى نفد (١).
نشأ شاعرنا حاد الذكاء فخورًا تياهًا بشعره، لم يراع حرمة لقريب أو كبير فقد سمع خاله المتلمس (٢) مرة يقول:
وقد أتناسى الهم عند احتقاره ... بناجٍ، عليه الصيعرية، مكدم (٣)
فقال طرفة: «إستنوق الجمل» لأن الصيعرية سمة للنوق فضحك القوم وغضب خاله ثم قال: ويل لهذا الفتى من لسانه.
وقد صحت مقولة المتلمس فيه فقد جنى عليه لسانه وأودى به إلى القتل. وقد تضاربت الروايات حول قصة مقتله إلا أن أكثرهم يؤكد حقيقة دامغة وهي أن أخته كانت عند عبد عمرو بن بشر وكان من سادات قومه فجار على أخت الشاعر وظلمها فشكته إليه فهجاه طرفة بقصيدة يقول فيها:
_________
(١) بطرس البستاني: أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام.
(٢) المتلمس: جرير بن عبد المسيح بن عبد الله بن دوفن بن حرب بن وهب عن كتاب الأغاني للاصفهاني.
(٣) الناجي: البعير الخفيف الذي ينجو بصاحبه. الصيعرية: سمة توسم بها النوق في بلاد اليمن دون الجمال. ورد هذا البيت في أكثر الروايات للمتلمس إلا أن الشنقيطي رواهُ للمسيب بن علس.
1 / 5
ولا خير فيه غير أن له غنىً ... وإن له كشحًا إذا قامَ أهضما (١)
وكان من أفحش الهجاء عند العرب أن تصف رجلًا بوصف النساء فكيف بصهره صاحب الخصر النحيل الذي يشبه خصور النساء؟
فاتنا ذكر أن عمرو بن هند ملك الحيرة كان متذوقًا للشعر، يتوافد عليه الشعراء من كل جانب فوقد عليه طرفة مع خاله المتلمس فأنشده وأعجب بشعره وعاش في بلاطه نديمًا لو ولولي عهده قابوس. وجاءت الصدف عكس ما يشتهي طرفة. فبينما كان يشرب يومًا بين يدي عمرو بن هند أطلت أخته فشبب بها طرفة حيث قال:
ألا يا ثاني الظبي الـ ... ـذي يبرق شنفاهُ (٢)
ولولا الملك القاعد ... قد الثمني فاهُ
فنظر إليه عمرو بن هند نظرة غضب ويقال أنه وضعه في الأإقامة الجبرية وجعل عليه أخاه قابوس رقيبًا.
اتفق بعدها أن عمرو بن هند خرج يومًا للصيد فأمعن في الطلب، فانقطع في نفرٍ من أصحابه حتى أصاب طريدته فنزل وقال لأصحابه اجمعوا حطبًا، وفيهم عبد عمرو بن بشر صهر طرفة. فقال لهم عمرو: أوقدوا فأوقدوا وشووا. فبينما عمرو يأكل من شوائه وعبد عمرو بن بشر يقدم إليه إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقًا فأبصر كشحه، وكان من أحسن أهل زمانه جسمًا فقال له عمرو بن هنج: يا عبد عمرو لقد أبصر طرفة كشحك حيث يقول:
ولا خير فيه غير أن له غنىً ... وإن له كشحًا إذا قامَ أهضما
_________
(١) الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضبع. الأهضم: الرقيق.
(٢) الشنفان: مفردها الشنف وهو أعلى موضع القرط في الأذن.
1 / 6
فغضب عبد عمرو وقال: لقد قال في الملك أقبح من هذا، فقال عمرو بن هند: وما الذي قال؟ فندم عبد عمرو على الذي سبق منه وأبى أن يسمعه ما قال. فقال اسمعنيه وطرفة أمين. فأسمعه القصيدة التي يقول فيها طرفة:
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثًا، حول قبتنا تخورُ (١)
لعمرك إن قابوس بن هندٍ ... ليخلط ملكه نوك كثيرُ (٢)
فسكت عمرو على ما وقر (٣) في نفسه وكره أن يُعجل على طرفة لمكان قومه، فلما طالت المدة ظن طرفة أنه قد رضي عنه وكان المتلمس قد هجا عمرو بن هند أيضًا. فقدما إليه فجعل يريهما المحبة ليأنسا به، فلما طال مقامهما عنده قال لهما: لعلكما اشتقتما إلى أهلكما. قالا: نعم. فكتب لهما إلى عامله بالبحرين وهجر واسمه ربيعة بن الحارث العبدي. ولقبه المعكبر فلما هبطا النجف وقيل أرضًا قريبة من الحيرة، إذ هما بشيخ معه كسرة يأكلها وهو يتبرز ويقتل القمل. فقال له المتلمس: بالله ما رأيت شيخًا أحمق منك ولا أقل عقلًا. فقال له الشيخ: وما الذي أنكرت علي؟ فقال: تتبرز وتأكل وتقتل القمل! قال: إني أُخرج خبيثًا وأدخل طيبًا وأقتل عدوًا. ولكن أحمق مني من يجعل حتفه بيمينه وهو لا يدري، فتنبه المتلمس فإذا هو بغلام من أهل الحيرة فقال له: يا غلام أتقرأ؟ قال: نعم. ففتح كتابه ودفعه إليه فلما نظر إليه قال: ثكلت المتلمس أمه. وإذا في الكتاب: إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيًا. فرمى المتلمس صحيفته في نهر يقال له كافر ثم تبع طرفة ليدركه وقال له: تعلم أن ما كتب فيك إلا بمثل ما كتب فيّ. فقال طرفة: إن كان قد اجترأ عليك فما كان ليجترئ علي. فهرب المتلمس إلى الشام وانطلق طرفة إلى العامل المذكور،
_________
(١) الرغوث: الناقة المرضعة.
(٢) النوك: الحماقة.
(٣) وقر: سمع.
1 / 7
حتى قدم عليه بالبحرين وهو بهجر (١)، فدفع إليه كتاب عمرو بن هند فقرأه فقال: تعلم ما فيه؟ قال: نعم أُمرتَ أن تجيزني وتُحسن إلي. فقال له العامل: إن بيني وبينك خؤولة أنا لها راع. فاهرب من ليلتك هذه فإني قد أمرت بقتلك فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس. فقال له طرفة: اشتدت عليك جائزتي وأحببت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند عليّ سبيلًا، كأني أذنبت ذنبًا والله لا أفعل ذلك أبدًا. فلما أصبح أمر بحبسه وجاءت بكر بن وائل فقالت: قد طرفة فدعا به صاحب البحرين فقرأ عليهم كتاب الملك. قم أمر بطرفة فحبس وتكرم عن قتله، وكتب إلى عمرو بن هند أن ابعث إلى عاملك فإني غير قاتل الرجل، فبعث إليه عمرو بن هند رجلًا من بني تغلب يقال له عبد هند واستعمله على البحرين وكان رجلًا شجاعًا وأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي. فقدمهما عبد هند، فقرأ عهده على أهل البحرين ولبث أيامًا، واجتمعت بكر بن وائل فهمت به كوان طرفة يحضهم وانتدب له رجل من عبد القيس ثم من الحوائر يقال له أبو رشية. فقتله، فقبره معروف بهجر (٢).
فقضى كرفة ولما يكمل العقد الثالث من عمره وقد رثته أخته الخرنق بأبيات تقول فيها:
عددنا له ستًا وعشرين حجةً ... فلما توفاها استوى سيدًا ضخما
نشير أخيرًا إلى منزلة طرفة الأدبية:
قال ابن قتيبة: هو أجود الشعراء قصيدة وله بعد المعلقة شعر حسن. وقال ابن سلام الجمحي في طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين أنه في الطبقة
_________
(١) هجر: ناحية بالبحرين.
(٢) الشنقيطي: شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها.
1 / 8
الرابعة من رهط فحول الشعراء وموضعه مع الأوائل. فأما طرفة فأشعر الناس واحد وهي قوله:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... وقفت بها أبكي وأبكي إلى الغد
ويليها:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستقر
ومن بعد له قصائد حسان جياد.
وقال ابن رشيق: طرفة أفضل الناس واحدة عند العلماء وهي المعلقة. وسئل لبيد من أشعر العرب؟ فقال: الملك الضلي –يعني امرأ القيس- فسأله ثم من؟ فقال: الغلام القتيل. يعني طرفة. ثم من؟ فقال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه.
ويكفي طرفة بن العبد من الفضل ما ذكره أئمة المؤرخين والعلماء بحقه. وهو الفتى اليافع الذي أتحق خزانة الأدب بهذا التراث العظيم.
مهدي محمد ناصر الدين.
ماجستير في اللغة العربية وآدابها.
1 / 9
قافية الباء
كل من عليها فان [الطويل]
فَكيفَ يُرجّي المرءُ دَهرًا مُخلَّدًا ... وأعمالُهُ عَمّا قَلِيلٍ، تُحاسِبُهْ
ألم تَرَ لُقمانَ بنَ عادٍ تَتابَعتْ ... عليه النّسورُ، ثمّ غابتْ كواكبه؟ (١)
وللصّعبِ أسبابٌ تَجُلُّ خُطوبُها ... أقامَ زمانًا، ثمّ بانَتْ مَطالِبُه (٢)
إذا الصّعْبُ ذو القَرنَينِ أرخى لواءَهُ ... إلى مالكٍ ساماهُ، قامَتْ نَوادُبه (٣)
يَسيرُ بوجهِ الحَتْفِ والعَيشُ جَمعُهُ ... وتَمضي على وَجْهِ البِلادِ كَتائِبُه (٤)
_________
(١) لقمان بن عاد: شخص زعمت العرب أنه عمَّر حياة سبعة أنسر ثم مات والمعنى: أن ما من إنسان يعيش على هذه الأرض إلى الأبد.
(٢) الخطوب: واحدها الخطب وهو الأمر العظيم. بانت: ابتعدت.
(٣) ذو القرنين: الإسكندر الأكبر. اللواء: الجند. مالك: ابن عم الشاعر. طلب منه طرفة أن يرد عليه إبلًا أخذها أناس من بني مُضَر فلامه مالك في ذلك وقال له: «فرطت فيها، ثم أقبلت تتعب في طلبها». ساماه: وازاه في السمو وارتفع فوقه.
(٤) الحتف: الموت. الكتائب: مفردها الكتيبة وهي الفرقة من الجيش.
1 / 11
أدوا الحقوق [الوافر]
ما تَنظُرونَ بِحَقّ وَردَةَ فيكُمُ ... صَغُرَ البَنونَ، ورَهطُ وردة َ غُيّبُ (١)
قد يَبعَثُ الأمرَ العَظِيمَ صغيرُهُ ... حتى تَظَلّ له الدّماءُ تَصَبَّبُ (٢)
والظُّلْمُ فَرّقَ بينَ حَبّيْ وَائِلٍ ... بَكْرٌ تُساقيها المَنايا تَغْلِبُ (٣)
قد يُورِدُ الظُّلْمُ المُبَيَّنُ آجنًا ... مِلْحًا، يُخالَطُ بالذعافِ، ويُقشَبُ (٤)
وقِرافُ منْ لا يستفيقُ، دَعارةً ... يُعدي كما يُعدي الصّحيحَ الأجْربُ (٥)
والإثُم داءٌ، ليسَ يُرجى بُرؤُهُ ... والبِرُّ بُرءٌ، ليسَ فيه مَعْطَبُ (٦)
والصّدقُ يألَفُهُ الكريمُ، المرتجى ... والكِذبُ يألَفُهُ الدَّنئُ، الأَخيَبُ
ولَقد بدا لي أَنَّه سيَغُولُني ... ما غالَ"عادًا والقُرونَ، فاشعَبوا (٧)
أدُّوا الحُقوقَ تَفِرْ لكُم أعراضُكم ... إِنّ الكريم إذا يُحَرَّبُ يَغضَبُ (٨)
_________
(١) وردة: والدة الشاعر الذي ظلمها أخواله على حفها بعد وفاة زوجها وأبوا أن يعطوها قسمتها. الرهط: القوم.
(٢) تصبب: تتصبب أو تسيل.
(٣) في البيت إشارة إلى حرب البسوس التي قامت بين قبيلتي بكر وتغلب.
(٤) الآجن: المتغير اللون والطعم. الذعاف: السم القاتل. يقشب: يدمج ويخلط.
(٥) الدعارة: الفسق والفجور. الأجرب: المصاب بداء الجرب.
(٦) البرء: الشقاء. المعطب: السوء والضرر.
(٧) يغول: يهلك. عاد: قبيلة عَصت أمر نبيّها هود فكانت من الهالكين. أشعبوا: بادوا وهلكوا.
(٨) تفر: تكتمل وتتم. يُحرَّب: يُسلب ماله وثروته.
1 / 12
قافية التاء
الخيل المغيرة [الكامل]
ولَقد شَهِدتُ الخيلَ وَهْيَ مُغيرة ٌ ... ولَقد طَعَنْتُ مَجامِعَ الرَّبِلاتِ (١)
رَبِلاتِ جُودٍ، تحتَ قَدٍّ بارعٍ ... حُلوِ الشّمائلِ، خِيرة ِ الهَلَكاتِ (٢)
رَبِلاتِ خَيلٍ، ما تَزالُ مُغيرةً ... يُقطِرنَ من عَلَقٍ على الثُّنَّاتِ (٣)
_________
(١) المغيرة: المهاجمة. الربلات: مفردها الربلة وهي أصل الفخذ أو اللحمة العظيمة.
(٢) الشمائل: مفردها الشميلة وهي الصفة والمزيّة. الهلكات: مفردها الهلكة وهي الجيفة.
(٣) العلق: الدم. الثنّات: مفردها الثنّة وهي شعرات تكون في آخر رجل الفرس.
1 / 13
قافية الحاء
القلب السقيم [الطويل]
خَليليّ! لا واللَّهِ ما القَلبُ سالمٌ ... وإنْ ظَهَرَتْ مِنّي شَمائِلُ صاحِ (١)
والاَّ، فما بالي، ولم أشهَد الوغى ... أبِيتُ كأنّي مُثقَلٌ بِجِرَاحِ (٢)
_________
(١) القلب السالم: المعافى من كل هم وداء. الشمائل: مفردها الشميلة وهي الصفة والمزيّة. الصاحي: الإنسان الذي يتكالك وعيه بعد الشرب.
(٢) الوغى: الحرب.
1 / 15
هل من نصيح؟ [الخفيف]
مَن عائِدي اللَّيلَةَ أم مَن نَصيحْ ... بِتُّ بِنَصْبٍ، فَفُؤادي قَريحْ (١)
في سَلَفٍ أرعَنَ مُنفَجرٍ ... يُقدِمُ أُولى ظُعُنٍ، كالطُّلوحْ (٢)
عالَينَ رَقمًا، فاخرًا لَونُهُ ... منْ عَبْقَرِيٍّ، كَنَجيعِ الذّبيحْ (٣)
وَجَامِلٍ، خَوّعَ، من نِيبِهِ ... زَجْرُ المُعَلَّى أُصُلًا، والسّفيحْ (٤)
مَوضوعُها زَولٌ، ومَرفوعُها ... كَمَرِّ صوبٍ لَجِبٍ، وسْطَ ريحْ (٥)
_________
(١) العائد: الزائر أثناء المرض وتجمع على العُوَّاد. النصب: التعب. القريح: المجروح.
(٢) السلف: الأهل والأقارب من الشيوخ والمسنين. الأرعن: الطائش، المنفجر: القادم من كل صوب. الظعن: الإبل الراحلة. الطلوح: الضعيفة.
(٣) عالين: ارتفعن. الرقم: نوع من القماش المخطط. العبقري: الجيد الصنع. النجيع: الدم.
(٤) الجامل: القطيع من الإبل. خوع: خلا ونقص. النيب: مفردها الناب وهي الناقة المتقدمة في السن. المعلى: من سهام الميسر. الأصل: مفردها الأصيل وهو ساعة غروب الشمس. السفيح: القدح الخاسر في الميسر.
(٥) الزول: المصاب والبلاء. الصوب: المطر الغزير. اللجب: الصاخب.
1 / 16
الليلة مثل البارحة [مخلع البسيط]
يلوم أصحابه في سجنه:
أَسْلَمَني قَوْمي، ولم يَغضَبوا ... لِسَوْءةٍ، حلّتْ بهمْ، فادحَهْ (١)
كلُّ خليلٍ كُنتُ خاللتُهُ ... لا تركَ اللَّهُ له واضِحهْ (٢)
كلُّهُمُ أروَغُ من ثَعْلَبٍ ... ما أشبهَ اللّيْلَة َ بالبارحَهْ
_________
(١) السوءة: العشرة السيئة. الفادحة: الأمر العظيم.
(٢) خاللته: انخذته خليلًا. الواضحة: هي السن التي تظهر عند الضحك.
1 / 17
قافية الدال
أطلال خولة [الطويل]
وهي معلقته.
لِخَولةَ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ ... تَلوحُ كَباقي الوَشْمِ في ظاهِرِ اليَدِ (١)
وُقوفًا بها صَحْبي عليَّ مَطِيَّهُمْ ... يَقولونَ: لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلّدِ (٢)
كأنَّ حُدُوجَ المالِكِيَّةِ غُدوةً ... خَلايا سَفينٍ بالنِّواصِفِ مِن دَدِ (٣)
عَدَوْليّةٌ أو مِن سَفينِ ابنِ يامنٍ ... يَجُورُ بها المَلّاحُ طَورًا ويَهْتَدي (٤)
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بها ... كما قَسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ (٥)
_________
(١) خولة: اسم امرأة. وكانت عادة أن يستهلو قصائدهم بذكر الحبيبة والأطلال في ذلك العهد. الأطلال: مفردها الطلل وهو ما تبقى من الأثر. البرقة: المكان الذي يكثر الحصى في ترابه. ثهمد: موضع. تلوح: تظهر. الوشم: النَقْش بالإبرة على الجسد بعد غمسها بالكحل أو أي صباغٍ آخر.
(٢) المطي: مفردها المطية وهي الناقة. الأسى: الحزن. التجلد: الصبر.
(٣) الحدوج: مفردها الحدج وهو مركب النساء. المالكية: الحدوج المنسوبة إلى بني مالك. الخلايا: مفردها الخلية وهي السفينة الكبيرة. النواصف: مفردها الناصفة: وهي الباحة الوسعة. الدد: اللهو واللعب.
(٤) العدواية: الإبل المنسوبة إلى عدولى وهي قرية في البحرين. ابن يامن: رجل من عدولى اشتهر بصناعة السفن. يجور: يبتعد عن الطريق.
(٥) الحباب: مفردها الحبابة وهي الموجة. الحيزوم: الصدر. الترب: التراب. المفايل: الذي يلعب بالتراب فيدفن شيئًا فيه ثم يقسمه ويسأل عن الشيء المخبَّأ في أي قسم صار.
1 / 19
وفي الحيِّ أحوى يَنفُضُ المَردَ شادنٌ ... مُظاهِرُ سِمْطَيْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ (١)
خَذولٌ تُراعي رَبْرَبًا بِخَميلةٍ ... تَناوَلُ أطرافَ البَريرِ، وتَرتَدي (٢)
وتَبسِمُ عنْ ألمى، كأنَّ مُنَوِّرًا ... تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي (٣)
سَقَتْهُ إياةُ الشّمسِ إلَا لِثاثِهِ ... أُسِفَّ وَلم تَكْدِمْ عليه بإثِمِدِ (٤)
وَوَجْهٌ كأنَّ الشّمسَ حَلّتْ رِداءَها ... عليه، نَقِيُّ اللّونِ لمْ يَتَخَدّدِ (٥)
وإنّي لأمضي الهمّ، عند احتِضاره ... بعَوْجَاءَ مِرْقالٍ تَروحُ وتَغتَدي (٦)
أمُونٍ كألْواح الإرانِ نَصَأْتُها ... على لاحِبٍ كأنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ (٧)
جَماليّةٍ وجْنَاءَ تَردي كأنّها ... سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأزعَرَ أربَدِ (٨)
تُباري عِتاقًا ناجياتٍ، وأتبَعَتْ ... وَظيفًا وَظيفًا فَوق مَورٍ مُعبَّدِ (٩)
_________
(١) الأحوى: الأسمر الشفتين. الشادن: الغزال الذي كَبُر واستغنى عن أمّه. المظاهر: الذي يليس درعًا أو ثوبًا فوق ثوب وهنا الذي لبس عقدًا فوق عقد. السمط: الخيط الذي تنتظم فيه الجواهر. اللؤلؤ والزبرجد: من الأحجار الكريمة.
(٢) الخذول: الظبية التي خذلت أولادها بالابتعاد عنهم. الربرب: القطيع من بقر الوحش. الخميلة: الأرض الملتفة الشجر. البرير: ثمر الأراك.
(٣) الألمى: الفم الذي تضرب شفتاه نحو السواد. المنور: صفة لموصوف محذوف هو الأقحوان. الدعص: كثيب الرمل.
(٤) إياة الشمس: شعاعها. اللثاث: مفردها اللثة وهي مغرز الأسنان. تكدم: تعض. الإثمد: الكحل.
(٥) لم يتخدد: بن تظهر فيه التجاعيد.
(٦) الاحتضار: الحضور. العوجاء: الناقة النشيطة التي لا تستقر في سيرها. المرقال: التي تسير سيرًا شديدًا.
(٧) الأمون: الناقة التي يطمئن الراكب لها. الإران: التابوت الكبير. النصأة: الزجرة. اللاحب: الطريق السهل. البرجد: الثوب المخطط.
(٨) الجمالية: الناقة التي تشبه الجمل في قوتها. الوجناء: الناقة الكثيرة اللحم. تردي: تعدو. السفنجة: النعامة. تبري: تظهر. الأزعر: الخفيف الشعر. الأربد: المغبر اللون كلون الرماد.
(٩) العتاق: مفردها العتيق، وهو الكريم. الناجيات: مفردها الناجية وهي التي تسير سيرًا سريعًا. الوظيف: العظم ما بين الرسغ إلى الركبة في الرجل أو ما بين الرسغ إلى المرفق في اليد. المور: الطريق. المعبد: السهل أثناء السير.
1 / 20
تَرَبَّعَتِ القُفّينِ في الشَّولِ تَرتَعي ... حَدائِقَ مَوليِّ الأسِرَّة أغْيَدِ (١)
تَريعُ إلى صَوْتِ المُهيبِ، وتَتّقي ... بِذي خُصَلٍ، رَوعاتِ أكلَفَ مُلبِدِ (٢)
كأنّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنّفَا ... حِفافَيْهِ شُكّا في العَسِيبِ بمَسرَدِ (٣)
فَطَورًا به خَلْفَ الزّميلِ، وتارةً ... على حَشَفٍ كالشَّنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ (٤)
لها فَخْذانِ أُكْمِلَ النّحْضُ فيهما ... كأنّهُما بابا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ (٥)
وطَيُّ مَحالٍ كالحَنيّ خُلوفُهُ ... وأجرِنَة ٌ لُزّتْ بِدَأيٍ مُنَضَّدِ (٦)
_________
(١) تربعت: أقامت وحلّت في المكان. القفّان: موضع. الشوْل: مكان الرعي المرتفع. المولي: العشب الذي أصابه الولي وهو المطر. وهو يأتي بعد الوسمي. الأسرّة: مفردها السّر، وهو الخير والفضل. الأغيد: الناعم.
(٢) تريع: تعود. المهيب: الراعي. ذو الخصل: الفَحْل من الإبل. الروعات: مفردها الروعة وهي الخشية والخوف. الأكلف: الفحل الذي يميل لونه إلى السواد. المبلد: الذي تبلد وبره من كثرة الوسخ.
(٣) المضرحي: النسر الكبير الأبيض. تكنفا: أقاما. الحفافي: الجوانب. العسيب: عظم الذنب. المسرد: الأشقى. أو آلة حادة تستعمل للغرز.
(٤) الهاء في به تعود للعسيب أو الذنب. الزميل: الراكب على الناقة خلف الراكب الأصلي. الحشف: مفردها الحشفة وهو الضرع الذي جفَّ لبنه. الشَّن: القربة البالية. الذاوي: الذابل. المجدد: الذي انقطع لبنه والمعنى أن هذه الناقة تضرب بذيلها يمينًا ويسرة فتصيب مرة الراكب على ظهرها خلف الراكب الأول ومرة تصيب أخلافها التي جفَّ الحليب منها.
(٥) النّحص: اللحم. الباب المنيف: الباب العائد للقصر العالي. الممرد: الأملس. والمعنى: أن اللحم قد غطّى فخذي هذه الناقة حتى أصبحا كباب قصر عالٍ عريض وأملس.
(٦) المحال: مفردها المحالة وهي فقرة الظهر. الحنّى: الواحدة حنيّة وهي العصا. الخلوف: مفردها الخلف وهو الضلع. الأجرنة: مفردها الجران وهو باطن العنق. لزّت: ضمّت. الدأي: مفردها الدأية وهي خرزة الظهر والعنق. المنضد: الموضوع فوق بعضه البعض. وهو ما زال يصف فقار ظهر الناقة.
1 / 21
كأنَّ كِناسَيْ ضالَةٍ يُكنَفانِها ... وأَطْرَ قِسِيٍّ تحتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ (١)
لها مِرفَقانِ أفتَلانِ كأنّهَا ... تَمُرّ بِسَلْمَيْ دالجٍ مُتَشَدّدِ (٢)
كَقَنْطَرَةِ الرُّوميِّ أقسَمَ رَبُّها ... لَتُكْتَنَفَنْ حتّى تُشادَ بقَرْمَدِ (٣)
صُهابِيّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَة ُ القَرَا ... بَعِيدةُ وَخْدِ الرِّجلِ مَوَّارَةُ اليَدِ (٤)
أُمرَّتْ يَداها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ ... لها عَضُداها في سَقِيفٍ مُسَنَّدِ (٥)
جنوحٌ دِفاقٌ عَنْدلٌ ثم أُفرعَتْ ... لها كتِفاها في مُعالىً مُصَعَّدِ (٦)
كأنّ عُلوبَ النِّسْعِ في دَأَيَاتِها ... مَوَارِدُ مِن خَلْقَاءَ في ظَهرِ قَردَدِ (٧)
تَلاقَى، وأحيانًا تَبينُ كأنّها ... بَنائِقُ غُرٌّ في قميصٍ مُقَدَّدِ (٨)
وأتْلَعُ نَهّاضٌ إذا صَعّدَتْ به ... كسُكّان بُوصِيٍّ بدجْلَةَ مُصْعِد (٩)
وجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاةِ كأنَّما ... وعَى المُلتَقَى منها إلى حَرْفِ مِبرَدِ (١٠)
_________
(١) الكناس: مأوى الغزال أو الوحش يُتّخذ في أصل شجرة. الضالة: شجرة السدر البرية. كنافها: ناحيتها والهاء عائدة للضالة. الأطر: العطف. المؤيد: القوي.
(٢) السلم: الدلو التي لها عروة واحدة. الدالج: الذي ينشل الدلو من البئر.
(٣) قنطرة الرومي: القنطرة المرتفعة وقد شبه الناقة بها لكبرها وارتفاعها. القرمد: من أدوات البناء أو ما يدعى بالآجر والمعنى أن هذه الناقة عظيمة ومرتفعة كقنطرة الرومي الذي أقسم أن يبنيها بالآجر ليعيش في كنفها.
(٤) الصهابية: التي يميل لونها إلى الإحمرار. العثنون: شعرات تحت لحيها الأسفل. الموجدة: القوية. القرا: الظهر. الوخد: السير السريع. الموّارة: السريعة.
(٥) أمرّت: أحكمت الفتل. الشزر: الفتل المحكم. أجنحت: مالت. السقيف: السقف. العضد: الجنب.
(٦) الدفاق: السريعة. العندل: الكبيرة الرأس. افرعت: ارتفعت. المعالى: صفة لموصوف محذوف وهو الظهر المرتفع.
(٧) العلوب: الأثر الباقي من الحزام الذي يُشَدّ عليها. السير: الحزام أو العنان. الموارد: مفردها المورد وهو الماء. الخلقاء: الملساء. القردد: الأرض الصعبة الكثيرة الحصى.
(٨) البنائق: مفردها البنيقة وهي عروة القميص أو دائرة في نحر الفرس.
(٩) الأتلع النهاض: العنق الطويل. السكان: مؤخرة السفينة. البوصي: السفينة الكبيرة. دجلة: النهر المعروف.
(١٠) العلاة: السندان. الملتقى: طرف الجمجمة. المبرد: آلة حادة خشنة الجوانب.
1 / 22
وخَدٌّ كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ ... كسِبْتِ اليماني، قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ (١)
وعَيْنَانِ كالماوَيّتَينِ استَكَنَّتَا ... بكهْفَيْ حِجاجَيْ صخرة ٍ قَلْت موردِ (٢)
طَحُورانِ عُوّارَ القذى، فتراهُما ... كمَكْحُولَتَيْ مَذعورَةٍ أُمِّ فرقد (٣)
وصادِقَتا سَمْعِ التوجُّسِ للسُّرى ... لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أو لصَوْتٍ مُندِّد (٤)
مُؤلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتقَ فِيهِما ... كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ (٥)
وَأرْوَعُ نَبّاضٌ أحَذُّ مُلَمْلَمٌ، ... كمِرداة ِ صَخرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ (٦)
وأعْلَمُ مَخروتٌ من الأنفِ مارِنٌ ... عَتيقٌ مَتى تَرجُمْ به الأرض تَزدَدِ (٧)
وإنْ شِئتُ لم تُرْقِلْ وإن شئتُ أرقَلتْ ... مَخافة َ مَلْوِيٍّ مِنَ القَدِّ مُحصَدِ (٨)
وإن شِئتُ سامى واسِطَ الكورِ رأسُها ... وعامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاءَ الخَفَيدَدِ (٩)
على مِثلِها أمضي إذا قال صاحبي: ... ألا لَيتَني أفديكَ منها وأفْتَدي
_________
(١) القرطاس: الورق. المشفر للبعير كالشفه للإنسان. السبت: جلد البقر المدبوغ. وهنا المنسوب إلى اليمن.
(٢) الماويتان: مفردها الماوية وهي المرآة. الحجاج: العظم الذي يعلو العين. القلت: النقرة أو الحفرة في الحجر حيث يجتمع الماء.
(٣) الطحور: المبعد. العوّار والقذى: مرض يصيب العيون. الفرقد: الجؤذر أو ابن البقرة الوحشية.
(٤) صادقتا السمع: الأذنان. النوجس: الخوف والتنصت. السرى: مشي الليل. الهجس: الحركة. المندد: المرتفع.
(٥) المؤللتان: مثنى المؤللة وهي الحادة. حومل: مكان.
(٦) الأروع النبّاض: القلب الكثير الخوف. الأخذ: السريع. الململم: الصلب. المرادة: الصخرة الصلبة. الصفيح: الحجر المسطح. المصمّد: المحكم. والمعنى أن قلب الناقة يخاف عند أي حركة وهو كالصخرة بين أضلاع علااض مرصوغ رصفًا محكمًا.
(٧) الأعلم: الذي شقت شفته العليا. المخروت: المثقوب. المارن: الأنف اللين. ترجم: ترمي. تزدد: تزيد سرعتها وبشتد سرها.
(٨) ترقل: تسير سيرًا سريعًا. الملوي: السوط الطري. المحصد: المحكم الفتل. ...
(٩) سامى: ارتفع. الكور: الرحل. ضبعتها: عضدها. النجاء: السرعة. الخفيدد: ذكر النعام.
1 / 23
وجاشَتْ إليه النّفسُ خوفًا، وخالَهُ ... مُصابًا ولو أمسى على غَيرِ مَرصَدِ (١)
إذا القومُ قالوا مَن فَتًى؟ خِلتُ أنّني ... عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ (٢)
أحَلْتُ عليها بالقَطيعِ فأجذَمتْ، ... وقد خبَّ آل الأَمعَز المُتوقِّدِ (٣)
فذالَتْ كما ذالَتْ ولِيدةُ مَجْلِسٍ ... تُري ربّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ (٤)
ولَستُ بِحلاّلِ التّلاعِ مخافةً ... ولكنْ متى يَسترْفِدِ القومُ أرْفِدِ (٥)
فإن تُبغِني في حُلقةِ القومِ تَلقَني ... وإنْ تَقتَنِصْني في الحوانيتِ تَصْطَدِ (٦)
متى تأتِني أُصبحكَ كأسًا رَوِيّةً ... وإنْ كنتَ عنها ذا غِنًى فاغنَ وازْدَد (٧)
وإنْ يَلتَقِ الحيُّ الجميعُ تُلاقِني ... إلى ذِروةِ البَيتِ الرّفيع المُصَمَّدِ (٨)
نَداماي بِيضٌ، كالنّجُومِ، وقَينَةٌ ... تَروحُ عَلَينا بَينَ بُردٍ ومَجْسَدِ (٩)
رَحيبٌ قِطابُ الجَيبِ منها، رقيقَةٌ ... بِجَسّ النّدامى، بَضّة ُ المُتجرَّدِ (١٠)
إذا نحنُ قُلنا: أسمِعِينا انبرَتْ لنا ... على رِسْلِها مَطروفَةً لم تَشَدَّدِ (١١)
_________
(١) المرصد: الدرب.
(٢) عُنيت: قُصِدت. أتبلد: أتوانى وأكسل.
(٣) أحلت: أقبلت. القطيع: السوط. أجذمت: أسرعت في سيرها. الخب: سير الإبل. الآل: السراب ساعة الضحى. الأمعز: المكان الكثير الحصى. المتوقد: الذي سطع نور الشمس عليه.
(٤) ذالت: تبخرت. الوليدة: الجارية. ربها: هنا صاحبها أي صاحب الجارية. السحل الممد: الثوب الأبيض الطويل.
(٥) التلاع: مفردها التلعة وهي الأرض المرتفعة الكثيرة الماء. استرفد القوم: طلبوا العون. أرفد: أعين.
(٦) تبغني: تطلبني. حلقة القوم: مكان اجتماعهم. الحوانيت: مفردها الحانوت أو الحانة وهي بيت الخمّار.
(٧) أصبحك كأسًا: أسقيك كأس خمرة في الصباح.
(٨) البيت الرفيع: بيت الحسب والمجد. المصمد: المقصود.
(٩) القينة: الفتاة المغنية. البرد: ضرب من الثياب وكذلك المجسد.
(١٠) الرحيب: الواسع. القطاب: أعلى الجيب. البضّة: الرقيقة الناعمة.
(١١) المطروقة: الهادئة في أدائها.
1 / 24
إذا رَجّعَتْ في صَوتِها خِلْتَ صَوْتَها ... تَجاوُبَ أظآرٍ على رُبَعٍ رَدي (١)
وما زال تَشرابي الخُمورَ، ولذَّتي ... وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدي (٢)
إلى أن تَحامَتني العَشيرةُ كلُّها ... وأُفرِدتُ إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ (٣)
رأيتُ بني غبراءَ لا يُنكِرونَني ... ولا أهلُ هَذاكَ الطِّرفِ المُمَدَّدِ (٤)
ألا أيُّهذا اللّائمي أحضُرَ الوغى ... وأن أشهدَ اللذّات، هل أنتَ مُخلِدي (٥)
فإنْ كُنْتَ لا تَسطِيع دَفْعَ مَنيَّتي ... فَدعْني أبادْرها بما مَلَكَتْ يدي (٦)
ولولا ثلاثٌ هُنّ مِنْ عِيشةِ الفتى ... وجدِّكَ لم أحْفَلْ متى قامَ عُوَّدي (٧)
فمِنهُنّ سَبْقي العاذِلاتِ بشَرْبَةٍ ... كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ بالماءِ تُزبِدِ (٨)
وكَرّي، إذا نادى المُضافُ، مُحَنَّبًا ... كسِيدِ الغَضا نَبّهَتْهُ المُتَوَرِّدِ (٩)
وتقْصيرُ يوم الدَّجن والدَّجنُ مُعجِبٌ ... ببَهْكَنَةٍ تحتَ الطِّرَافِ المُعَمَّدِ (١٠)
_________
(١) رجعت: رددت الصوت وتغنت به. الأظار: مفردها الظأر وهي الناقة التي لها ولد. الربع: ابن الناقة وهو صغير. الردي: الذي أصابه الهلاك.
(٢) الطريف: المال المكتسب حديثًا. التليد: المال القديم.
(٣) تحامتني: تجنبتني واعتزلتني. المعبد: المطلي بالقطران لإذلاله للركوب.
(٤) بنو الغبراء: مساكين الأرض. الطراف: بيت الجلد الذي كان عادة للموسرين والوجهاء.
(٥) الوغى: ساحة الحرب. مخلدي: ضامن عيشي إلى الأبد.
(٦) تسطيع: تستطيع. المنية: الموت.
(٧) الجد: الحظ وهنا قسم بهذا الحظ. لم أحفل: لم أبال. العوّد: مفردها العائد وهو الزائر أثناء المرض.
(٨) العاذلات: مفردها العاذلة وهي اللائمة. الكميت: الخمر المعصورة من عنبٍ أحمر. تزبد: نعلوها رغوة.
(٩) الكرّ: العطف والحنو. المضاف: الخائف والمذعور. المحنب: الملتوي اليد ويقصد الفرس. السيد: الذئب. الغضا: ضرب من الشجر. المتورد: القاصد للماء بغية الشرب.
(١٠) يوم الدجن: اليوم الممطر الكثير السحاب. البهكنة: الفتاة الجميلة الممتلئة الجسم. الطراف: البيت المصنوع كم الجلد وقد مرّ ذكره. المعمد: المرفوع بالعمد.
1 / 25