ـ[ديوان امرِئ القيس]ـ
المؤلف: امْرُؤُ القَيْس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار (المتوفى: ٥٤٥ م)
اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي
الناشر: دار المعرفة - بيروت
الطبعة: الثانية، ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
عدد الأجزاء: ١
أعده للشاملة/ محمد العلوة
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الديوان
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وبعد:
فهذا ديوان فحل من فحول الشعراء في الجاهلية، بل رأس الطبقة الأولى في طبقات الشعراء؛ إنه (ديوان امرئ القيس)، الملك الضليل، الذي سبق شعراء العربية إلى أشياء استحسنها الشعراء من بعده، والفضل للسابق، ومن قدّمه؛ فلفضله بالسبق، ليس إلّا!.
ويروى أن النبي ﷺ قال فيه: (ذاك رجل مذكور في الدنيا، شريف فيها، منسي في الآخرة، خامل فيها، يجيء يوم القيامة، ومعه لواء الشعراء إلى النار) (١).
وروي، أيضًا: (يتدهدى بهم في النار). ويروى: أن كلًا من لبيد وحسان قال: (ليت هذا المقال فيّ وأنا المدهدى في النار).
وروي عن ابن الكلبيّ أنه قال (٢): أتى قوم رسول الله ﷺ، فسألوه عن أشعر الناس. قال: (ائتوا حسان). فقال (حسان): ذو القروح (يعنى امرأ القيس)، إلا أنه لم يعقب ولدًا ذكرًا، بل إناثًا، فرجعوا، فأخبروا رسول الله ﷺ، فقال: (صدق. مرفع في الدنيا، حامل في الآخرة، شريف في الدنيا، وضيع في الآخرة، هو قائد الشعراء إلى النار).
_________
(١) المعجم الكبير، الطبراني: ١٨/ ٩٩. مجمع الزوائد: ١/ ١١٩.
(٢) شرح المعلقات العشر، الشنقيطي، ص١٠.
1 / 5
ومن الأمور التي يُلمز بها امرأ القيس ويُهمز، أنه كان مفرّكًا؛ لا تحبه النساء، ولا تكاد امرأة تصبر معه، وتزوج امرأة من طيئ -على زعم الرواة- فأبغضته من ليلتها، وقالت له مرّة: كرهتُ منك أنك خفيف العزلة، ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة (١).
وطرأ على سيرته وضع كثير من القصص من صنع القصاص في الأدب العربي، لعلّ لهل أساس من الصحة، ولكنها حبطت لما زيد فيها من أشياء من صنع الخيال الشعبي (غالبًا).
عملي في (الديوان):
- قابلت بين عدة نسخٍ مطبوعة من الديوان، وأفدت منها كثيرًا.
- كتبت (بين يدي الديوان) وفيه: ترجمة الشاعر امرئ القيس، ودراسة المعلّقة.
- شرحت المفردات اللغوية الغريبة، ووضعت علامات الترقيم، وضبطت الأبيات الشعرية ضبطًا يكاد يكون تامًا.
- وضعت عنوانات للقصائد والمقطوعات الشعرية، وأثبتّ أوزان البحور للقصائد في الديوان.
- صدّرت (الديوان) بـ (المعلقة)، نظرًا لأهميتها وجماليتها الفنية ولقيمتها الأدبية.
وبعد، فهذا عملي، ولا أدّعي أني أتيت فيه بجديد .. وقد سبقني إلى
_________
(١) في عبارات هذه المرأة كنايات لطيفة، مستحسنة، عن أوضاع الجماع عند امرئ القيس.
1 / 6
شرح الديوان والمعلّقة كثيرون، وقد أفدت منهم الشيء الكثير، إنما هذه الطبعة تُظهر (الديوان) بحلّة قَشيبة، وشرحٍ ميسرٍ مبّسطٍ للألفاظ الغريبة.
وإني لأرجوا أن أكون قد أدّيت (شيئًا) نحو واجب لغتنا ومكتبتنا العربية علينا، فإن كان كذلك، فبتوفيقٍ من المولى سبحانه. إذ هو نعم المولى ونعم النصير.
كتبه
عبد الرحمن المصطاوي
1 / 7
ترجمة امرئ القيس (١)
(٠٠٠ - ٨٠ ق. ه = ٠٠٠ - ٥٦٥ م)
أ حياته:
اسمه حُنْدُج، وقيل: عَديْ، وقيل: مُلَيْكَة، ولُقِّب بذي القروح وبالملك الضليل، وبامرئ القيس، وطغى هذا اللقب على اسمه وعُرف به. وعُرف بثلاث كُنى هي: أبو وهب، وأبو زيد، وأبو الحارث.
أبو حُجُر ملك غطفان وأسد، وأمه فاطمة بنت ربية أخت المهَلهِل ويمكن تقسي حياته إلى مرحلتين: أولاهما مرحلة الشباب العابث، والثانية مرحلة السعي العائر إلى الملك، يفصل بينهما مصرع أبيه.
نشأ حُنْدج في نجد من أسرة توارثت الملك، ودانت لها قبائل العرب من ربيعة ومضر، ومضى يتردد بين أسرة أبيه وأسرة خاله المهَلهِل من تغلب، مزهوًا بنفسه وبملك أبيه، غارقًا في لذائذ الدنيا.
إنْ مال إلى اللهو وجد بين الإماء والقيان طِلْبته، وإنْ طلب الطرد والقنص سار في ركابه فتيان مجّان، يبغون ما يبغي من نزو على الجياد، ومطاردة للفرائس.
وعندما تنادى امرؤ القيس في ضلاله طرده أبوه، فلم يزد الطرد مجانته إلا اطّرادًا، وإلحاحًا على الغيّ، إذ راح ينفق عمره في الشهوات، ويعايش من شذّ وتصعلك، ومن غوى وفسق.
_________
(١) انظر ترجمته في: شرح المعلقات العشر، الشنقيطي، ص٧. طبقات فحول الشعراء، ص٥١. خزانة الأدب، البغدادي ١/ ٢٩٩، الأغاني: ٩/ ٧٧.
1 / 9
وبينما هو غارق في لذائذه، وقعت واقعة نقلته من المجون إلى الشجون، ومن الخمر والقمر، إلى الغمّ والهم.
فعندما وصله خبر أبيه قال: (ضيّعني صغيرًا، وحمّلني دمه كبيرًا لا صحو اليوم، ولا سكر غدًا. اليوم خمرُ وغدًا أمر). فآلى ألا يأكل لحمًا، ولا يشرب خمرًا، ولا يدهن، ولا يصيب امرأة، حتى يدرك ثأره.
فلبس امرؤ القيس لامة الحرب، وحاولت قبيلة أسد أن تترضاه، فلم يرضَ، فقاتلهم حتى كثرت الجراح والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم، وهربت بنو أسد.
لم تشف هذه المقتلة غلّ امرئ القيس، واستنصر بقَيْل يُدعى مرثد الخير بن ي جَدن الحِمْيريْ فنصره وأمّده بخمسمائة رجل من حِمير، ولكن هذا المدد لم يحقق النصر لامرئ القيس، فاضطر امرؤ القيس إلى التجول من أمير إلى أمير، وإلى تجرع الغصص غصّة بعد غصّة، فترك ماله وأسلحته لدى السموأل بن عادياء، ويممّ شطر قيصر فأحسن قيصر وفادته، لكنّه لم يعنه على استرداد ملكه.
ويقال: إنّه أصيب في عودته بالجدري، فمات، وقيل: إنه مات بسمّ سرى في جسمه من حلّةٍ مسمومة، خلعها عليه عظيم الروم.
هذه هي حياة الملك الضَّليل التي كادت أحداثها المثيرة أن تجعلها أسطورة ساخرة.
ب شعره وأغراضه:
كان شعر امرئ القيس في المرحلة الأولى من حياته غزلًا ووصفًا لمجالس الأنس والخمر، والحصان رفيقه في الصيد، ومطيته في ميادين القتال، وفي المرحلة الثانية غلب على شعره المدح والهجاء والفخر بالملك القديم ووصف الناقة وسيلته في قطع الفلوات.
1 / 10
ومن حيث العواطف، كان شعره في المرحلة الأولى يتّفجر حيوية وتفاؤلًا وزهوًا، واعتزازًا، فلما فُجع بأبيه، غرق في الشكوى والحزن والتذمّر من غدْر الناس والزمان.
وفي الأسلوب كانت ألفاظ الشاعر في المرحلة الأولى أقرب إلى العذوبة والوضوح، والانسياب، ولم يفارق أسلوبه هذه الخصائص في المرحلة الثانية لكن ألفاظه شابها المقت، وخالطتها الكآبة.
ج- منزلته:
هو من شعراء الطبقة الأولى في العصر الجاهلي، وهم زهير بن أبي سُلمى، والنابغة الذبياني، والأعشى ميمون، وامرؤ القيس. ثم اختلفوا في تقديم أحدهم على طبقته، وفضّل كثيرٌ من الأدباء شاعرنا أكثر من الذين فضّلوا سواه، ومن هؤلاء الأدباء ابن رشيق القيرواني الذي يقول: (ولكلّ واحد منهم طائفة تفضّله وتتعصّب له. وقلما يُجْتَمع على واحد إلا ما روي عن النبي ﷺ في امرئ القيس: أنه أشعر الشعراء وقائدهم إلى النار).
ويروى أن عليًّا كرّم الله وجهه فضّله على شعراء الجاهلية (لأنه لم يقلْ لرغبةٍ ولا لرهبة). وأيضًا عمر بن الخطّاب ﵁ والفرزدق، وابن سلّام الجُحميّ صاحب كتاب طبقات (فحولة الشعراء) كلهم شهدوا له بالسبق.
د- السمات الفنية لشعره:
لقد تميّز شعره بعدة سمات؛ كالوضوح الذي عُبّر عنه (بقرب الماخذ)، وجَوْدة التصوير، ورقّة الأسلوب في الغزل، وأمور جزئية كالبكاء على الديار وتشبيه النساء بالظباء مما لا يمكن القطع في أنع من اختراع حُنْدُج.
غير أن السّمات العامّة نفسها كوضوح المعاني وجمال التصوير ورقّة الأسلوب يمكن ردها إلى تأثره بالبيئة الحضرية. ومن أبرز هذه السمات:
١ - وفرة التشبيه، لوفرة الموارد الطبيعية والمصنوعة التي كانت تلامس
1 / 11
حواسه وتتيح له أن يرسم منها الصور، فقد ألقت الحياة بين يديه ما لم تلق بين أيدي غيره، فحصانه يدور كخدروف الوليدـ وترائب صاحبته مصقولة كالسجنجل.
والطابع الحسي والواقعية من أهم خصائص التشبيه عنده لكنه كان في بعض التشبيهات يعرض للأشياء لمحًا، ويترك في تشبيهه جانبًا خفيًا غامضًا وله في ذلك ابتكارات كثيرة ملكت على الأقدمين ألبابهم يقول:
أيَقْتُلُني وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي ... ومَسْنُونَةً زُرْقٌ كأنيابِ أَغْوَالِ
٢ - عنايته بموسيقى الألفاظ ولعّله من أجل ذلك كان يكثر من التصريع، على نحو ما صنع في المعلّقة، وتتجلّى عناية الشاعر بالموسيقى في إخضاع الصوت للمعنى، كاختيار الأصوات الصاخّة للمعاني البدوية، واختيار الأصوات المهموسة والألفاظ المأنوسة للمعاني الحضرية، والمواقف الوجدانية كقوله:
مِكَرّ، ٍ مفرٍّ، مُقْبِلٍ، مُدْبِرٍ معًا ... ... كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ ...
فقد جعل لكل وضع من أوضاع الفرس لفظةً قائمة برأسها مفصولة عن جارتها.
ومع كل ذلك مجد في إيقاعه بعض الخلل سببه كثر الزحافات والعلل العَروضية كقوله:
أعِنّي على برقٍ أراهُ وميضِ ... يضيءُ حَبيًّا في شَمَاريخَ بيضِ
بلادٌ عريضةٌ، وأرض أَرِيضةٌ ... مَدَافِعُ عَيْثٍ في فضاءٍ عريضِ
فقد وازن، وصرّع، ورصّع؛ لكنه أساء إلى الموسيقى الخارجية أي إلى الوزن، فقلق الإيقاع لا يرتاح له السمع.
٣ - سموّ الشاعر من أفق العاطفة الذاتية إلى أفق العاطفة الإنسانية.
1 / 12
ويظهر هذا السمو بعدة صور: أولاها أن فجيعته بأبيه وملكه أخرجت من قلبه الأثرة المفتونة بالذات، فهو ينسى مصابه، ويتأثر بما يصيب غيره ويقول:
أرى أمّ عمرٍو دَمْعُهَا قد تحدّرَا ... بُكَاءً على عَمرٍو، وَمَا كان أصْبَرَا
والثانية: أسفه على ما أصاب قومه من فُرقة، وما أصابه من غربة يقول:
ذكَرْتُ بها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيّجَتْ ... عَقَابيلَ سُقْمٍ مِنْ ضَمِيرٍ وأَشْجَانِ
فَسَحّتْ دُموعي في الرِّداءِ كأنّهَا ... كُلىً ً من شَعِيبٍ ذاتِ سَحٍّ وَتَهْتانِ
وتظهر هذه العاطفة الإنسانية في إغاثة الملهوف، وإطلاق سراح الأسير، وتأثر الشاعر بالطبيعة الصامتة والحية، إذ يخلع عليها من مشاعره الفيّاضة حسًّا إنسانيًا، فتغدو نفوس تفرح وتحزن، ويخامرها ما يخامر الشاعر من خلجات الألم والسرور والغضب والطرب.
1 / 13
دراسة المعلقة (١)
مهما طال الحديث عن شعر (الملك الضلّيل) يبقى ناقصًا ما لم يتناول معلّقته التي أولاها الأقدمون عناية بالغة، وجعلها الرواة فاتحة كتبهم، وعُني بها الدّارسون فترجموها إلى عدة لغات أجنبية.
فذهب بعضهم إلى أنّ الدافع الذي دفع امرأ القيس إلى نظم المعلّقة هو يوم دارة جلجل حيث التقى بعنيزة ابنة عمه تتنزه مع العذارى فذبح لها ناقته. ومطلعها:
قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ
يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة): (وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد).
فالمعلّقة قصيدة لامية على البحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبياتها فهي برواية الأصمعي سبعة وسبعون بيتًا، وفي شرح المعلقات للزوزني واحد وثمانون بيتًا.
بإمكاننا أن نقّسم المعلّقة إلى سبعة أقسام، أطولها الغزل الذي يشغل نصف الأبيات.
- القسم الأول: وصف الأطلال: ويقع في ستة أبيات أولها:
قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ
_________
(١) دراسة المعلقة مأخوذة من كتاب (الأدب الجاهلي)، غازي طليمات، وعرفان الأشقر، دار الإرشاد، حمص. بتصرّف.
1 / 14
وفيها وقوف على أطلال الديار، وسرد مواضع المنازل، وآثار الظباء وحنين إلى الأحبة الذين فارقهم ويتنهي هذا القسم عند قوله:
وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ ... فهلْ عنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ
- القسم الثاني: الغزل الصريح، ووصف محاسن المرأة، وهو أطول الأقسام، وعدد أبياته سبعة وثلاثون بيتًا، أوله قوله:
وَبَيْضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهَا ... تَمَتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ
وفي هذا القسم يذكر أسماء محبوباته، فهو يعاتب (فاطمة) المدللة ذات النظرات السواحر ويتحدث عم امرأة مخدرة يكنف خباءها الحراس من كلّ جانب، غير أن الشاعر استطاع أن يخادع الرقيب، ويغشى صاحبته آخر الليل، وأن يخرجها من مخدعها، وفي هذا القسم وصف حسي للمرأة يكشف عن ذوق الشاعر المرهف، إذا يذكر ضمور الخصر والبطن، وامتلاء الساق، وصفاء البشرة، وبريق الترائب، وسحرة المقلة، وغزارة الشعر، - ولين البنان، واكتمال الجمال، ووفرة النعم وينتهي هذا القسم عند قوله،
ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه ... نصيحٍ على تَعذالهِ غيرِ مُؤْتَلِ
- القسم الثالث: وفيه يشكو الشاعر همه ويصف ليله الطويل الثقيل وهو أربعة أبيات يبدأ من قوله:
وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ ... ... عَلَيَّ بأنواعِ الهمومِ ليَبْتَلي
وينتهي هذا القسم عند قوله:
فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ ... بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
- القسم الرابع: وفيه يفخر الشاعر باحتماله كَلَّ الصديق، وبتجشمه مخاطر الطريق ومقابلته الذئب ومقارنته بنفسه وبالتفرد وهو أربعة أبيات أيضًا ويبدأ من قوله:
1 / 15
وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها ... على كاهلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
وفي هذا القسم صعلكة لا تليق بأمير، ولذلك نسبها قوم إلى (تأبط شرّا) وينتهي هذا القسم عند قوله:
كِلانا إذا ما نالَ شيئًا أفاتَهُ ... ومَن يحترِث حَرْثي وحَرْثك يهزُلِ
- القسم الخامس: وفيه وصف دقيق للفرس، يذكر سرعته وحمرته ونشاطه، وضمور خصره، وعدوه ونزوه، وطول فخذيه، وذكاء قلبه، وقوة صلبه. وهذا القسم أحد عشر بيتًا أولها:
وَقَدْ أَغْتَدِي والطَّير في وُكنَاتِهَا ... بِمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابِدِ هَيْكلِ
وتنتهي عند قوله:
كأنّ دِماءَ الهادِياتِ بنَحْرِهِ ... عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشَيبٍ مُرَجَّلِ
- القسم السادس: وهو الطردُ، إذْ يصف الشاعر البقر الوحشي وهو سبعة أبيات أولها:
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنّ نِعاجَه ... عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ
فالبقر الوحشي أبيض مرقط ببعض السواد ويصف مشيه وطول أذنابه، وقدرة فرسه على إدراكه والإحاطة بالسرب. ويصف إعداد الطهاة للطعام، والعودة من رحلة الصيد وينتهي عند قوله:
فَباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ ... وباتَ بعَيني قائمًا غَيرَ مُرْسَلِ
- القسم السابع: وفيه يصف الطبيعة، يصف منها البرق وهو آخر الأقسام ويقع في اثني عشر بيتًا ويبدأ من قوله:
أصاحِ تَرَى برقًا أُريكَ ومَيضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَينِ في حَبيٍّ مكلَّلِ
1 / 16
فهو يصف وميض البرق، وسرعة انتشاره، وتفجيره السحب، ثم يصف انهمار السيول، وجرفها الشجر، وذعر الحيوان، ويصف الجبل الذي تكنفه مياه السيل، وازدهار النبت، والسباع الغرقى وينتهي عند قوله:
كأنّ السِّباعَ فِيهِ غَرْقَي عَشِيّةً ... بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أنابيشُ عُنْصُلِ
وبهذا البيت تنتهي المعلقة. فانظر كيف ختمها، إذ لم بجعل لها قاعدة كما فعل غيره، وذلك عندما ينهون قصائدهم والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية.
لقد كانت الواقعية التامّة، والعضوية في تناول الأغراض وعرضها، وعمق التجربة الشعورية التي يصوّرها الشاعر، وصبّها في جوّ نفسي واحد، ووضوح شخصية امرئ القيس، والسرد القصصي الذي يبهر السامع، وبث الحركة والحياة في أوصال النص من أهم سمات المعلّقة، أفلا ترى أنها أفضل المعلقات؟
1 / 17
المعلّقة [الطويل]
وهي المعلقة الأولى في (المعلقات السبع) للزوزني، و(المعلقات العشر) للشنقيطي
١ - قِفا نبكِ، من ذِكرى حبيبٍ، ومنزلِ ... بسِقطِ اللّوى بينَ الدَّخولِ، فَحَوْمَلِ
قيل: خاطب صاحبَيه، وقيل: يب خاطب واحدًا، وأخرج الكلام محرج الخطاب مع الاثنين، لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، فمن ذلك قول الشاعر:
فإن تزجراني يا بن عفَّانَ أنزجِر ْ ... وإنْ ترعياني أَحْمِ عرضًا مُمنّعًا
خاطب الواحد خطاب الاثنين، وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرون ألسنتهم عليه، ويجوز أن يكون المراد به: قف قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُون﴾ [المؤمنون: ٩٩] المراد منه: أرجعني أرجعني أرجعني، جعلت الواو علمًا مشعرًا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارًا، وقيل: أراد قفن على جهة التأكيد فقلب النون ألفًا في حال الوصل؛ لأن هذه النون تقلب ألفًا في حال الوقف فحمل الوصف على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى: ﴿لَنَسْفَعَا﴾ [العلق: ١٥] قلت: لنسفعًا؟ ومنه قول الأعشى::
وصلِّ على حين العشياتِ والضّحَى ... ولا تَحْمَدِ المثرينَ، واللهَ، فاحْمدَا
1 / 21
أراد فاحمدن فقلب نون التأكيد ألفًا، يقال بكى يبكي بكاء وبُكىً، ممدودًا ومقصورًا، أنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت شاهدًا له:
بكتْ عيني، وحُقَّ لها بكاهَا ... وما يغني البكاءُ، ولا العويلُ!
فجمع بين اللغتين؛ السِّقْط: منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه، والسقط أيضًا ما يتطاير من النار، والسقط أيضًا المولود لغير تمام، وفيه ثلاث لغات: سَقط وسِقط وسُقط في هذه المعاني الثلاثة. اللوى: رمل يعوج ويلتوي. الدَّخول وحَوْمَل: موضعان.
يقول: قفا وأسعداني وأعيناني، أو قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيبًا فارقته ومنزلًا خرجت منه، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك البكاء بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين.
٢ - فتُوضِحَ فالْمِقراةِ لم يَعْفُ رَسْمُها ... لما نَسَجَتْها من جنوبٍ وشَمْأَلِ
توضح والمقراة: موضعان، وسقط اللوي بين هذه المواضع الأربعة. قوله: لم يعف رسمه، أي لم يَنْمَحِ أثرها. الرسم ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البعر والرماد وغيرهما. والجمع أرسم ورسوم، قوله: وشمأل فيها ست لغات: شمال وشمأل وشأمل وشمول وشَمْل وشَمَل. نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها.
يقول: لم ينمحِ ولم يذهب أثرها؛ لأنه إذا غطته إحدى الريحين بالتراب كشف الأخرى التراب عنها، وقيل: بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ومر السنين وترادف الأمطار وغيرها، وقيل: بل معناه لم يعف رسم حبها من قلبي وإن نسجتها الريحان، والمعنيان الأولان أظهر من الثالث وقد ذكرها كلها أبو بكر ابن الأنباري.
٣ - ترى بَعَرَ الأَرْآمِ في عَرَصاتِها ... وقيعانها كأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
1 / 22
الأرآم: الظباء البيض الخالصة البياض، واحدها رئم، بالكسر، وهي تسكن الرمل. عرصات في "المصباح": عرصة الدار ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص مثل كلب وكلاب، وعرصات مثل سجدة وسجدات وعن الثعالبي كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة، وفي "التهذيب": وسميت ساحة الدار عرصة؛ لأن الصبيان يعرصون فيها أي: يلعبون ويمرحون. قيعان جمع قاع وهو المستوي من الأرض، وقيعة مثل القاع، وبعضهم يقول: هو جمع، وقاعة الدار ساحتها. الفلفل قال في القاموس: كهدهد وزبرج، حب هندي. ونسب الصاغاني الكسر للعامة، وفي المصباح: الفلفل بضم الفاءين من الأبزار، قالوا: لا يجوز فيه الكسر.
يقول: انظر بعينيك تر هذه الديار التي كانت مأهولة مأنوسة بهم خصبة الأرض، كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء، ونثرت في ساحاتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل في مستوى رحباتها. "هذا الشرح ليس للزَّوزَني".
٤ - كأني غَداةَ البَينِ يَوْمَ تَحَمَّلوا ... لدى سَمُراتِ الحيّ ناقِفُ حَنظلِ
غداة في "المصباح": والغداة الضحوة، وهي مؤنثة قال ابن الأنباري: ولم يسمع تذكيرها، ولو حملها حامل على معنى أول النهار جاز له التذكير، والجمع غدوات. البين: الفرقة وهو المراد هنا، وفي "القاموس": البين يكون فرقة ووصلًا، قال الشارح: بان يبين بينًا وبينونة، وهو من الأضداد. اليوم: معروف، مقداره، من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يراد باليوم الوقت مطلقًا، ومنه الحديث: "تلك أيام الهرج"، أي: وقته، ولا يختص بالنهار دون الليل. تحملوا واحتملوا بمعنى: أي ارتحلوا. لدى بمعنى عند. سمرات جمع سمرة، بضم الميم: من شجر الطلح. الحي: القبيلة من الأعراب، والجمع أحياء. نقف الحنظل: شقة عن الهبيد، وهو الحب، كالإنقاف والانتقاف، وهو، أي الحنظل، نقيف ومنقوف، وناقفهِ الذي يشقه.
1 / 23
يقول: كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل، يريد وقف بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها، "هذا الشرح ليس للزَّوزَني".
٥ - وُقوفًا بها صَحْبِي عَلَيّ مَطِيَّهُمْ ... يقولونَ لا تهلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ
نصب وقوفًا على الحال، يريد قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيهم علي، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود والركوع في جمع شاهد وراكع، الصحب: جمع صاحب، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضًا ثم يخفف فيقال الأصاحب. المطي: المراكب، واحدتها مطية، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات، سميت مطية؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها، وقيل: بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير، يقال: مطاه يمطوه، فسميت به لأنها تمد في السير: نصب أسىً؛ لأنه مفعول له.
يقول: قد وقفوا عليّ أي: لأجلي أو على رأسي وأنا قاعد عند رواحلهم ومراكبهم، يقولون لي: لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر، وتلخيص المعنى: أنهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع.
٦ - وإنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهرَاقَةٌ ... فهلْ عندَ رَسمٍ دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
المهراق والمراق: المصبوب، وقد أرقت الماء وهرقته وأهرقته أي صببته: المعوّل: المبكى، وقد أعول الرجل وعوّل إذا بكى رافعًا صوته به، والمعول: المعتمد والمتكل عليه أيضًا. العبرة: الدمع، وجمعها عبرات، وحكى "ثعلب" في جمعها العِبَر مثل بدرة وبِدَر.
يقول: وإن برئي من دائي ومما أصابني وتخلصي مما دهمني يكون بدمع أصبّه ثم قال: وهل من معتمد ومفزع عند رسم قد درس، أو هل موضع بكاء
1 / 24
عند رسم دارس؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، والمعنى عند التحقيق: ولا طائل في البكاء في هذا الموضع؛ لأنه لا يرد حبيبًا، ولا يجدي على صاحبه بخير، أو لا أحد يعول عليه ويفزع إليه في مثل هذا الموضع، وتلخيص المعنى: وإن مخلصي مما بي بكائي، ثم قال: ولا ينفع البكاء عند رسم دارس، أو ولا معتمد عند رسم دارس.
٧ - كدأبكَ من أمِّ الْحُوَيْرِثِ قبْلها ... وجَارَتِها أم الرَّبابِ بِمَأسَلِ
الدأْبُ والدأَبُ، بتسكين الهمزة وفتحها: العادة، وأصلها متابعة العمل والجد في السعي، دأب يدأب دأبًا ودئابًا ودءوبًا، وأدأبت السير: تابعته. مأسَل، بفتح السين: جبل بعينه، ومأسِل، بكسر السين: ماء بعينه والرواية فتح السين.
يقول: عادتك في حب هذه كعادتك من تينك، أي: قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالهما، ومعاناتك الوجد بهما، قوله: قبلها أي: قبل هذه التي شغفت بها الآن.
٨ - إذا قامَتا تَضَوّعَ الْمِسْكُ مِنْهُمَا ... نسيمَ الصَّبا جاءت برَيّا القَرَنْفُلِ
ضاع الطيب وتضوّع إذا انتشرت رائحته. الريّا: الرائحة الطيبة.
يقول: إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحت ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره. شبه طيب رياهما بطيب نسيم هبّ على قرنفل وأتى بريّاه، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما.
٩ - ففاضَتْ دُموعُ العَينِ مِنّي صَبَابَةً ... عَلَى النَّحرِ حتّى بلّ دمعيَ مِحْمَلي
الصبابة: رقة الشوق، وقد صبّ الرجل يصب صبابة فهو صَبٌّ، والأصل صبب فسكنت العين وأدغمت في اللام. المحمل: حمالة السيف، والجمع المحامل، والحمائل جمع الحمالة.
1 / 25
يقول: فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بلّ دمعي حمالة سيفي. ونصب صبابة على أنه مفعول له كقولك: زرتك طمعًا في برِّك، قال الله تعالى: ﴿مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ١٩] أي: لحذر الموت، وكذلك زرتك للطمع في برِّك، وفاضت دموع العين مني للصبابة.
١٠ - ألا رُبّ يَومٍ لكَ مِنْهُنّ صَالِحٍ ... ولا سيَّمَا يومٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
في ربّ لغات: وهي رُبَّ ورَبَّ ورُبْ ورُبَ ثم تلحق التاء فتقول ربّة وربّت، وربّ موضوع في كلام العرب للتقليل وكم موضوع للتكثير، ثم ربما حملت رُبّ على كم في المعنى فيراد بها التكثير، وربما حملت كم على رب في المعنى فيراد بها التقليل، ويروى: ألا رب يوم كان منهن صالح، والسيّ: المثل: يقال هما سيان أي مثلان. ويجوز في يوم الرفع والجر، فمن رفع جعل ما موصولة بمعنى الذي، والتقدير: ولا سي اليوم الذي هو بدارة جلجل، ومن خفض جعل ما زائدة، وخفضه بإضافة سيّ إليه فكأنه قال: ولا سي يوم أي ولا مثل يوم. دارة جلجل غدير بعينه. يقول: رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل، يريد أن ذلك اليوم كان أحسن الأيام وأتمها، فأفادت لا سيما التفضيل والتخصيص.
١١ - وَيَوْمَ عَقَرْتُ للعَذارى مَطيّتِي ... فيا عجبًا من كورِها الْمُتَحَمَّلِ
العذراء من النساء: البكر التي لم تفتض، والجمع العذارى. الكور: الرحل بأداته، والجمع الأكوار والكيران؛ ويروى: من رحلها المتحمل، المتحمل: الحمل. فتح يوم مع كونه معطوفًا على مجرور أو مرفوع وهو يومٌ أو يومٍ بدارة جلجل؛ لأنه بناه على الفتح لما أضافه إلى مبني وهو الفعل الماضي، وذلك قوله: عقرت، وقد يبنى المعرب إذا أضيف إلى مبني، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣]؛ فبنى مثل على
1 / 26
الفتح مع كونه نعتًا لمرفوع لما أضافه إلى ما وكانت مبنية، ومنه قراءة من قرأ: ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذ﴾ [هود: ٦٦] بنى يوم على الفتح لما أضافه إلى إذ وهي مبنية وإن كان مضافًا إليه؛ ومثله قول النابغة الذبياني:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا ... فَقُلْتُ ألما تَصْحُ، والشيبُ وازعُ
بنى حين على الفتح لما أضافه إلى الفعل الماضي؛ فضّلَ يوم دارة جلجل ويوم عقر مطيته للأبكار على سائر الأيام الصالحة التي فاز بها من حبائبه، ثم تعجب من حملهن رحل مطيته وأداته بعد عقرها واقتسامهن متاعه بعد ذلك. قوله: فيا عجبًا، الألف فيه بدل من ياء الإضافة، وكان الأصل فيا عجبي، وياء الإضافة يجوز قلبها ألفًا في النداء نحو يا غلامًا في يا غلامي، فإن قيل: كيف نادى العجب وليس مما يعقل؟ قيل في جوابه: إن المنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء أو يا قوم اشهدوا عجبي من كورها المتحمل فتعجبوا منه، فإنه قد جاوز المدى والغاية القصوى؛ وقيل: بل نادى العجب اتساعًا ومجازًا، فكأنه قال: يا عجبي تعال واحضر فإن هذا أو إن إتيانك وحضورك.
١٢ - فظلَّ العذارى يرْتَمينَ بلحمها ... وشحمٍ كَهُدَّابِ الدَّمَقس الْمُفَتَّلِ
يقال: ظل زيد قائمًا إذا أتى عليه النهار وهو قائم، وبات زيد نائمًا إذا أتى عليه الليل وهو نائم، وطفق زيد يقرأ القرآن إذا أخذ فيه ليلًا ونهارًا. الْهُدَّاب والهدب: اسمان لما استرسل من الشيء نحو ما استرسل من الأشفار من الشعر ومن أطراف الأثواب، الواحدة هدابة وهدبة، ويجمع الهدب على الأهدب. الدمقس والمدقس: الإبريسم١، وقيل: هو الأبيض منه خاصة.
يقول: فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعًا فيه طول نهارهن؛ وشبه شحمها بالإبريسم الذي أجيد فتله وبولغ فيه، وقيل هو القز. الشحم: السمن.
١٣ - ويومَ دخلتُ الْخِدرَ خدرَ عُنَيزَةٍ ... فقالتْ: لكَ الوَيلاتُ إنَّك مُرْجِلي
1 / 27