مطالعات در مکاتب ادبی و اجتماعی

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
63

مطالعات در مکاتب ادبی و اجتماعی

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

ژانرها

وهكذا يتميز شعراء المهجر الجنوبيون بجملة من مزايا الفن والذوق والبصيرة تحيط بآفاق من الشعر الجيد الأصيل، لا تقل عن تلك الآفاق التي سبح فيها أسلافهم الأندلسيون الأولون.

يكاد أسلوب النظم أن يكون أسلوب شاعر واحد في فترة واحدة من الزمن، ولكنك تترجمهم إلى لغة أخرى، أو تقرؤهم بلسان المعنى دون لسان اللفظ، فلا تخطئ بينهم تلك الفوارق التي تفصل بين عشرات من الشعراء بملامح الفكر والسليقة.

ففي ديوان الشاعر القروي ملامح من صور الطبيعة تغلب على صور البيت وصور المجتمع، ولا يبدو فيها البيت ولا المجتمع إلا كما تبدو فصيلة من الأحياء يسمون بالآدميين، ثم لا تعرف لهم قانونا ولا شريعة غير قانون الفردوس على المحبة أو قانون الغاب على البغضاء والعدوان، وكلاهما قانون زرع وماء وحياة.

وفي دواوين إلياس فرحات يظهر آدم من وراء ذلك الفردوس ولكنه آدم الذي عرف إبليس لعبة بعد لعبة، فتعلم منه السخرية الضاحكة، ثم جرد تلك السخرية من أشواك الكيد والخبث، ومن عواقب الندم والحسرة.

وفي شفيق معلوف «عبقر» تمتد الهجرة من عالم الإنس إلى وادي الجن، ومن جوف الواقع إلى أطراف الخيال ، وتقترب العدوة بين هذه البحور المتباعدة حتى لينسى نزيل «عبقر» أين هو من رحلات البر والبحر ... ويخيل إليه في لحظة بعد لحظة أنه لم يبرح زحلة بلبنان أو سان باولو بالبرازيل ... ويوشك المعلوفون أن يكونوا جميعا إخوة في لحمة الأدب كأخوتهم في لحمة النسب، بين يدي سليمان هو يحبس الجن في القماقم أن ينطلق على بساط الريح.

وتقرأ «جورج صيدح» فلا تفوتك فيه أشواق الطبيعة التي تعهدها في دواوين زملائه، ولكنك لا تتمثله في صورة من الصور إلا رأيت في ظهارة الصورة أبراج المدينة ومداخن المصانع ومعالم الأسوار.

ومعظم الشعراء من المهجريين آباء وأزواج، ولكنك لا تتمثل القنصلين - إلياس وزكي - إلا تمثلت زوجا يمشي مع زوجة، ووالدا يحنو على طفل في يمينه أو بين ذراعيه.

وتتراءى ألوان من هذه الملامح في كثير من شعراء العصبة الأندلسية لا نحصيهم هنا، ولا تتيسر لنا مراجعتهم في هذا المقام، ولكنهم جميعا يتلاقون في تمثال واحد شامخ الهامة مكين القدمين، نسميه تمثال «العصبية اللغوية» أو القومية التي تلخصت في كلمة واحدة هي كلمة «العربية»، ونهضت برسالة في تاريخ الأدب العربي لا تشبهها رسالة أخرى في جميع أدوار هذا التاريخ.

ونحسب أن مدرسة العصبة الأندلسية تنفرد بهذه الخاصة التي تعد من النقائض للوهلة الأولى، ثم يزول عنها كل وصف من أوصاف التناقض متى رجعنا إلى القوة الخارقة التي اجتمعت في حنين المهجريين الجنوبيين إلى اللغة، فصنعت ما تصنعه القوة الخارقة من المعجزات.

تلك الخاصة التي انفردت بها العصبة الأندلسية هي فرط المحافظة وفرط التجديد في وقت واحد.

صفحه نامشخص