مطالعات در مکاتب ادبی و اجتماعی

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
50

مطالعات در مکاتب ادبی و اجتماعی

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

ژانرها

ومن طرائف المفارقات حقا أن أفلاطون - وهو في صميمه فنان واسع الخيال - ينزل بالخيال وذويه إلى تلك المنزلة المهينة! وأن تلميذه الكبير - وهو عالم لم يبلغ من سعة التخيل مبلغ أستاذه - يرتفع بالفن ذلك المرتفع ويقدره ذلك التقدير.

ولكن أرسطو - على جلالة قدره - لم يسلم من خطأ الأقدمين جميعا في قولهم: إن الفنون كلها تقوم على المحاكاة والتقليد، وغفلتهم عن الحقيقة التي شاعت اليوم بين المفكرين ونقاد الفنون، وهي أن الفن الرفيع لا يقوم على غير الخلق والإبداع، ومن طرائف المفارقات أيضا أن الرجل الذي أدرك - بين الأقدمين - أن الفنان يبتدع ولا يقلد لم يكن من الفلاسفة المعدودين، بل كان معدودا من الأدباء والخطباء، وهو شيشرون الخطيب الروماني المشهور؛ فإنه قال لصديقه ماركس بروتس: إن فيدياس لم يقلد شيئا حين مثل لنا زيوس وأثينه، ولكنه خلق من مخيلته ما يراه الناس بالأبصار، وكان يقول إن الجمال معنى يقوم على نسبة الجزء إلى سائر الأجزاء، وأنه لارتباطه بالمعنى يختلف بين الرجال والنساء، فجمال الرجل فحواه الوقار وجمال المرأة فحواه الرشاقة، ومتى كان الفنان موكلا بتمثيل المعاني فهناك شيء أمامه غير محاكاة المحسوسات.

ثم ظهرت المدرسة الأفلاطونية الحديثة، فكان رأيها في الجمال والفن هو رأي إمامها أفلاطون، وهو لا يعظم المحسوسات كلها ولا يحتقرها كلها، ولكنه يعطيها من الحسن والخير بمقدار نصيبها من الفيض والصدور.

وخلاصة فلسفة أفلوطين أن المخلوقات جميعا صدرت من «الأحد» على التوالي؛ ففيها من الجمال بمقدار ما يتجلى فيها من فيض الأحد، أو من فيض العقول التي تسلسلت من وجوده درجات بعد درجات، فإذا مثل الفنان لونا من ألوان الجمال فهو لا يمثل لنا محسوسا من هذه المحسوسات، وإنما يمثل لنا قبسا من نور «الأحد» الذي تجلى في ذلك المحسوس، وقد كان أفلوطين ينكر تعريف الجمال بالتناسب؛ لأن التمثال الذي يصور الحياة أجمل في رأيه من التمثال الذي تتناسب أعضاؤه، وهو بعيد الشبه بالحياة.

وقامت الفلسفة الدينية بعد المدرسة الأفلاطونية الحديثة، فانقسم أصحابها إلى قسمين في تقدير الفنون، ويمكن أن يقال هذا عن الفلسفة المسيحية، كما يقال عن غيرها من الفلسفات الدينية، ومنها فلسفة المتصوفة والمتكلمين بين المسلمين.

فالذين نظروا منهم إلى الدنيا نظرة الزهد فيها والتزاور عنها توجسوا من الفنون، كما توجسوا من سائر المحسوسات، وحسبوها أحبولة من أحابيل الشيطان.

والذين نظروا إلى الخلق كأنه أثر من آثار الخالق التمسوا في الحسن دليلا على وجود مبدعه ومصوره، فلم ينكروه ولم ينكروا الفنون التي تعرضه وتجلوه.

وربما جمعوا بين النظرتين، كما فعل سكوتس

Scotus (815-877)، ومن نحا نحوه، فيقولون إن الجمال قد يكون رمزا إلى جمال الله، كما يكون فخا من فخاخ الشيطان، ولا يجعله الشيطان فخا من فخاخه إلا لأنه حسن يستهدي الأبصار ويفتن القلوب.

وقد كان القديس توما الأكويني حكما عدلا في هذه المسألة، كما كان حكما عدلا في غيرها من مسائل الفلسفة واللاهوت، فعنده أن الكون كله جميل في نظر من يراه فيرى إبداع خالقه فيه، وأن الجميل الحق لا يكون جميلا إلا إذا توافر فيه كمال وتناسق وصفاء، وذلك كله عنوان محسوس لجمال الله.

صفحه نامشخص