مطالعات در مکاتب ادبی و اجتماعی
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
ژانرها
والتفت إلي صاحبي منتظرا متسائلا: ما رأيك؟
قلت: معقول؟
قال: لا أفهم ما تعني ... ما هو هذا المعقول؟
قلت: إن علاج الجنون بالصحافة في اعتقادي أمر لا غرابة فيه، ولكن الذي أستغربه هو: كيف خطرت هذه الفكرة لطبيب المستشفى أو أطبائه؟ ولماذا اتجهت أذهانهم إلى صناعة الصحافة دون غيرها لعلاج المصابين بعقولهم، فليس هذا بالخاطر الذي يخطر على بال الطبيب بغير مقدمات تدعوه إليه!
قال صاحبي: لعلهم يعتقدون أن الصحافة صنعة مجانين.
قلت: لو اعتقدوا ذلك في أمريكا خاصة لما أخطأوا ، فإنك كثيرا ما تلمس دلائل الجنون الصارخ في الصحف التي تنشر على الناس خارج المستشفيات، فإذا عهدوا بهذه الصناعة إلى نزلاء المستشفيات فهي بضاعة ردت إلى أصحابها وإدارة حصرت في مكانها!
على أنهم لا يخطئون كثيرا إذا عمموا الحكم على الصناعة كلها ولم يقصروه على الصحافة الأمريكية دون غيرها، فليس من البعيد أن الصحافة تحتاج إلى شيء من الجنون في جميع الأمم، وأن الإنسان لا يملك عقله كله وهو يقبل على هذه الصناعة.
سواء شقي بها أو سعد ... فالسعداء فيها ولا ريب أجن من الأشقياء.
قال لي: أيملك عقله رجل يتجرد عن شئونه ليشتغل بشئون الناس؟ أيملك عقله رجل يخيل إليه أنه يشرف على الكون ويصلح أخطاء العالمين؟ أيملك عقله رجل يشبع جنون الفضول في نفوس الجماهير ويزودها أبدا بما يلبي هذا الفضول ويرضي هذا الجنون ...؟ إن لم يكن هؤلاء مجانين فقل على الأقل: إنهم أنصاف مجانين، وإن نزلاء المستشفى يجدون في هذه الصناعة برزخا بين الجنون والعقل ينتقلون عليه من الجنون المطبق إلى ضرب من الجنون «المعقول»!
قال: فالصحافة إذن هي الجنون المعقول!
صفحه نامشخص