دراسات فلسفية في الفكر الإسلامي المعاصر
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
ژانرها
وأحيانا تعقد بعض مقارنات بين رواد المثالية في الفلسفة الغربية ومؤسسي حركة الإصلاح الديني في فكرنا المعاصر.
11
وقد يكون المقصود من «الفلسفة والتراث» هو صلة الفلسفة كواقع حالي، أي كفكر ومنهج واختيار، بالتراث القديم بالمعنى الفلسفي الخاص أو بالمعنى الحضاري العام. كيف يتعامل أساتذة الفلسفة حاليا باسم الفلسفة مع هذا التراث القديم؟ ما هي مسئولية الفلسفة كمنهج والتزام بالنسبة للموروث الفلسفي القديم؟ هنا تشير العلاقة بين الفلسفة والتراث من خلال حرف العطف إلى الجبهة الثالثة في موقفنا الحضاري، أي الواقع الحالي، وكيف يفرض نفسه، في حالة استيقاظه، على التراث القديم، يتفاعل معه، وينتقي منه، وينقد رواسبه، ويطور عناصره التي توقفت، ويبرز مواطن قوته.
وعلى أية حال، سواء كان المقصود المعنى الأول الذي يجعل العلاقة بين الفلسفة والتراث سؤالا تاريخيا خالصا مشيرا إلى تراثنا القديم (الجبهة الأولى)، أو كان المقصود هو المعنى الثاني الذي يجعل هذه العلاقة سؤالا فلسفيا معاصرا قريب الصلة بالفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة؛ حيث إن لفظ الفلسفة أقرب إليها (الجبهة الثانية)، أو كان المقصود علاقة الفكر ذاته والفلسفة كعملية ممارسة للتفلسف وصلتها بالتراث القديم (الجبهة الثالثة)، فإنه يظل سؤالا مطروحا بكل هذه المعاني الثلاث وفي هذه الجبهات الثلاث، خاصة وأنها معان متداخلة وجبهات متشابكة. وتكون الصعوبة في معرفة إلى أي حد تميل العلاقة بين «الفلسفة والتراث» إلى أي من هذه المعاني أو الجبهات الثلاث.
12
ثانيا: أزمة «الفلسفة والتراث»
تتمثل أزمة «الفلسفة والتراث» في وجود «ثنائية المصدر» في فكرنا الفلسفي المعاصر: الفلسفة، والتي تعني في الغالب الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، والتراث، ويعني في الغالب التراث الفلسفي القديم. فالفلسفة تأتي من الغرب الحديث، والتراث يأتي من تاريخنا القديم. ويعني ذلك أن «الآخر» هو الحديث المعاصر وأن «الأنا» هو التاريخ القديم. وبالتالي يصبح التمايز بين «الأنا» و«الآخر» تمايزا في الزمان، بين القديم والجديد، بين التراث والفلسفة إلى آخر ما يقال من مصطلحات عصرنا ومطلبه الرئيسي في الأصالة والمعاصرة. أما البعد الثالث وهو الذي يمثله حرف العطف «الواو» أي الفكر المستقل اعتمادا على العقل الخالص والذي يمكن أن يكون موطن التفاعل بين القديم والحديث فلا وجود له. وهو العقل الذي نيطت به عدة علوم فلسفية خالصة وفي مقدمتها الميتافيزيقا، وإن كان قد غلبت على هذا العلم أيضا مادة المعاصرين مثل كانط وهيدجر وكارناب. كما أن المدخل إلى الفلسفة قد غلب عليه أيضا الطابع الذري في قسمة الفلسفة إلى نظريات ثلاث مشهورة: المعرفة والوجود والقيم دون الإشارة إلى ما يعادلها في تراثنا القديم في علم أصول الدين: نظرية العلم، ونظرية الوجود، والإلهيات التي تضم نظريتي التوحيد والعدل أي مجموع القيم وفي مقدمتها استقلال العقل، وحرية الإرادة، والأمل في المستقبل.
1
والحقيقة أن هذه النظريات الثلاث في الفلسفة الغربية الحديثة إنما أتت في بداية العصور الحديثة كغطاء نظري جديد بديلا عن الغطاء النظري القديم الذي ورد من العصر الوسيط والذي تم إسقاطه في عصر النهضة في حين أن هذه النظريات الثلاث ما زالت مطوية داخل علم العقائد في تراثنا القديم. وإن «أسس الفلسفة» بالنسبة لجيلنا هي الجبهات الفلسفية الثلاث التي يحتمها موقفنا الحضاري الحالي: الموقف من التراث القديم، والموقف من التراث الغربي، والموقف من الواقع.
2
صفحه نامشخص