دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
ژانرها
3
وقد تكون القراءة مزدوجة أي قراءة لقراءة مثل قراءة التوسر لقراءة ماركس للاقتصاد الكلاسيكي عند ريكاردو وآدم سميث من أجل اكتشاف منهج جديد من خلال المنهج القديم. فقد اكتشف التوسر البنيوية من خلال الماركسية كما اكتشف ماركس من قبل - الماركسية - من خلال الليبرالية والاقتصاد الحر. والقراءة المزدوجة ترى ما رأته القراءة الأولى وما لم تره، وتجد ما وجدته وما لم تجده؛
4
وبالتالي فإن القراءة ليست فنا بل علم، ليست نظرية في اللعب والحوار الفكري الخالص وأساليب الجدل بل هي عملية إكمال من خلال التراكم المعرفي من أجل اكتشاف البنية التي هي أصل النص سواء تم تشكيله مرة واحدة أو على فترات.
5
فالقراءة في الزمانين الوجودي والتاريخي من خلال شعور الفرد والجماعة وتراكم الخبرات فيهما معا. وبعد كل تراكم معرفي يأخذ النص أبعادا جديدة لم تكن مقروءة فيه من قبل ولا موجودة في النواة الأولى للنص.
6
وهذا هو معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف أي مستويات تفسير النص طبقا لأعماق الشعور وطبقا لتراكم المعرفة من عصر إلى عصر.
ثالثا: ما هو النص؟
النص هو تدوين لروح عصر من خلال تجارب فردية وجماعية في مواقف معينة متعددة ومتباينة. والغاية من تدوين التاريخ توريث كل جيل خبراته للأجيال التالية، استمرارا لسلطانه أو على الأقل ترشيدا للمستقبل وتوجيها له. النص هو تحول إرادي من الشفاهي إلى الكتابي حرصا على تسجيل المواقف وسرعة تقنينها انتقالا من التعدد إلى الوحدة، ومن الاختلاف إلى الاتفاق. فالنص بهذا المعنى قضاء على التعددية في الحاضر وإيثار لوحدة المستقبل، تضييق على الحاضر وامتداد في المستقبل حتى تبقى الروح في التاريخ، وتتوارث الأجيال الفكر جيلا بعد جيل. النص إذن ليس وثيقة مدونة أقرب إلى المرويات أو السجلات القديمة بل هو كائن حي في حالة سكون يبعث بالقراءة فيحيا من جديد وبأشكال جديدة كما هو الحال في تناسخ الأرواح عندما تظهر نفس الروح، وهو المعنى، في أجساد جديدة، وهي مجموعة القراءات. النص هو الميت الحي أشبه بعبادة الأسلاف وأرواح الأجداد. حدث ذلك في كل حضارة بانتقالها من العصر الشفاهي إلى عصر التدوين. فقد ظهرت عدة أناجيل متباينة وتم حفظها كتابة كنوع من الذكرى الجماعية في القرن الثاني الميلادي حتى وقع بينها التضارب والاختلاف نظرا لتباين القراءات طبقا للبيئات الثقافية المتعددة حتى تم تقنينها في القرن الرابع إيثارا لوحدة القراءة على تعددها. وحدث ذلك بدرجة أقل في عصر تدوين القرآن بلهجة قريش حرصا على وحدة القراءة أي وحدة الفهم منعا للاختلاف والتعدد. وفي هذه الحالة يكون التفسير للشهادات الإنسانية المحفوظة عن طريق الكتابة.
صفحه نامشخص