دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرها
في الواقع إنها تعرضت إلى صدمة قوية وأزمة خطيرة، عندما حاربها تيمور في ضواحي أنقرة؛ لأن الحرب المذكورة انتهت بانهزام الجيوش العثمانية وأسر سلطانهم بايزيد الأول، وذلك أدى إلى انقسام المملكة بين أولاده الأربعة، ولكن السلطان محمد الأول استطاع - بعد بذل جهود شاقة - أن يتغلب على منافسيه، وأعاد إلى السلطنة العثمانية وحدتها السابقة.
ومن المعلوم أن السلطنة المذكورة أخذت تتوسع بعد هذه الأزمة بسرعة كبيرة، ولا سيما في القارة الأوروبية. «ابن خلدون التقى بتيمور عندما حاصر دمشق، وكانت ملاقاته هذه خاتمة أعماله السياسية، وذلك قبل موته بست سنوات.» «ولكنه لم يلتق بأحد من سلاطين آل عثمان.» (2)
ابن خلدون لم يرحل إلى بلد من البلاد الإسلامية الكائنة خارج العالم العربي، ولكن التاريخ الذي ألفه - مع مقدمته المشهورة - ذهب إلى تلك البلاد، وأثر فيها تأثيرا معنويا كبيرا.
وهذا التأثير صار قويا بوجه خاص عند رجال الدولة العثمانية؛ لأن اللغة العربية كانت لا تزال لغة العلم في تلك البلاد، وكان العلماء العثمانيون يتلقون ثقافتهم من الكتب العربية بوجه عام؛ ولذلك كانوا يهتمون بتعلمها وإتقانها، حتى إن بعضهم كان يكتب مؤلفاته أيضا باللغة العربية. فكان من الطبيعي - والحالة هذه - أن يطلع هؤلاء العلماء على تاريخ ابن خلدون ومقدمته، وأن يتأثروا منه تأثرا عميقا.
ومما يجب ملاحظته في هذا المضمار أن توالي الفتوحات في الدولة العثمانية - ولا سيما في القارة الأوروبية - أدى بطبيعة الحال إلى ظهور طائفة من المؤرخين الذين يتولون تسجيل وقائع هذه الفتوحات العظيمة.
وهؤلاء المؤرخون كانوا يعتبرون التاريخ العثماني بمثابة تتمة لتاريخ الإسلام العام، ولذلك كانوا يعنون بمطالعة كتب التواريخ القديمة، فكان من الطبيعي أن يدرسوا تاريخ ابن خلدون دراسة تفصيلية، وأن يقتبسوا منه ومن مقدمته شيئا كثيرا.
ولهذه الأسباب نجد أن المؤرخين العثمانيين كانوا أول من اهتم بمقدمة ابن خلدون - خارج العالم العربي - حتى إن اهتمام هؤلاء بالمقدمة هو الذي لفت أنظار المستشرقين إليها في أوائل القرن التاسع عشر. (3) العالم الأوروبي
إن العالم الأوروبي خلال العصر الذي عمل وفكر فيه ابن خلدون كان على وشك الوصول إلى أواخر القرون الوسطى وأوائل القرون الأخيرة.
كان ابن خلدون معاصرا للمؤرخ «فرواسار» في فرنسا، وللشاعر «شوسر» في إنجلترا، إنه كان ولد قبل الأول بخمس سنوات، وقبل الثاني بثماني سنوات، ومات قبل الأول بأربع سنوات، وبعد الثاني بست سنوات.
كما أنه كان «نصف معاصر» لبترارك وبوكاتسيو في إيطاليا؛ لأنه كان وصل إلى أواسط العقد الخامس من عمره عند موت هذين الأديبين الكبيرين.
صفحه نامشخص