دراسات عن مقدمة ابن خلدون

ساطع الحصری d. 1388 AH
37

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

ژانرها

Saint Augustin

الذي عاش في القرن الرابع للميلاد، انتقد مؤرخي الوثنية بأسلوب لاذع متهكم من جراء نزعتهم هذه، ومع هذا لم يتمكن من تخليص نفسه من النزعة المذكورة؛ فقد كتب هو بدوره في كتابه «مدينة الله» ما يلي: «إن الله أعطى السلطنة إلى الرومان عندما شاء، وبالعظمة التي شاء أن تكون عليها، وهو الذي أعطى السلطنة قبل ذلك إلى الآثوريين، وكذلك إلى الفرس.»

وأما «بوسوئه»

Bossuet

الذي نشر خطبه المشهورة في التاريخ العام سنة 1680، فقد استسلم إلى هذه النزعة استسلاما، ووجه جميع جهوده إلى إظهار «عمل الله» في التاريخ، فقد قال فيما قاله: «إن الله يمسك بيده من فوق السماوات زمام جميع الممالك وجميع القلوب، فهو يشد عليها تارة، ويرخي العنان لها طورا، وبهذه الصورة، يسوق ويسير الجنس البشري بأجمعه.»

وقد عزا بوسوئه إلى معظم الأقوام القديمة رسالات خاصة لتنفيذ مشيئة الله في شعبه المختار، إن شعب الله المختار حسب خطب بوسوئه، هم بنو إسرائيل، إن الله استخدم البابليين والآثوريين لتأديب هذا الشعب، كما استخدم الفرس لبعثه وإعادة كيانه، واستخدم إسكندر الكبير وخلفاءه لحمايته، وخص الرومان بمهمة الدفاع عن حريته .

إن النزعة التي نحن بصددها تتجلى بوضوح من خلال بعض المؤلفات التي نشرت في القرن الثامن عشر أيضا، لعل أهم النماذج لذلك هو «العلم الجديد» الذي نشر بقلم «جان باتيستا فيكو» في أواسط القرن المذكور، لقد قال فيكو في كتابه هذا: «إن العلم الجديد لاهوت اجتماعي، يبرهن على القدرة الصمدانية بالوقائع التاريخية.»

وقال أيضا: «إن العقل يأخذ نور الحقيقة الأزلية من الله، فكل علم إنما يأتي من الله، ويرجع إلى الله، وهو من الله.»

هذا مع العلم بأن فيكو كثيرا ما يلقب بلقب «مؤسس فلسفة التاريخ».

إن نزعة الرجوع إلى الله في تعليل التاريخ تجلت حتى في بعض المؤلفات التي نشرت في أوائل القرن التاسع عشر أيضا.

صفحه نامشخص