دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرها
وإنني أعتقد لذلك كل الاعتقاد بأن الجيل المثقف الحاضر مقصر في أداء واجباته نحو هذا المفكر العربي العظيم تقصيرا كبيرا. •••
إن هذا التقصير الكبير لا يتجلى في «ضآلة الدراسات فحسب»، بل يظهر في «رداءة الطبعات» أيضا؛ فإن جميع طبعات المقدمة التي صدرت عن مطابع القاهرة وبيروت وانتشرت في جميع أنحاء العالم العربي مشوبة بنواقص كثيرة وأغلاط فادحة.
ذلك لأن جميع هذه الطبعات منقولة عن طبعة بولاق، التي كان قد قام بأعبائها الشيخ نصر الهوريني في القاهرة قبل مدة تزيد على ثمانية عقود من السنين، والشيخ المومأ إليه كان بعيدا - بطبيعة ثقافته - عن إدراك المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في نشر مثل هذه المؤلفات القديمة.
فجميع الطبعات الشرقية تكاد تكون خالية من الشروح والتعليقات، فإن الشروح القليلة المبعثرة فيها لو جمعت في محل واحد لما ملأت أكثر من ثلاث صفحات، زد على ذلك أن هذه الشروح قلما تخرج عن نطاق «الإيضاحات اللغوية»، فإنها لا تستهدف على الغالب شيئا غير ذكر معاني بعض الكلمات، هذا مع أن الترجمة التركية موشاة ببعض الإيضاحات المطولة، لا سيما والترجمة الفرنسية مملوءة بمئات ومئات من الشروح والتعليقات التي تحوم حول المعلومات اللغوية والأدبية والجغرافية والتاريخية الضرورية لفهم أبحاث المقدمة حق الفهم.
ومما يستلفت الأنظار في هذا الصدد أن الطبعات المتداولة مشوبة بعدد غير قليل من الأغلاط المطبعية، التي تارة تغير معنى العبارات، وطورا تجردها من كل معنى معقول، وتارة أخرى تقلب معناها رأسا على عقب.
مثلا: إن بعض الطبعات مسخت كلمة «اليقين» إلى شكل «أينين»، فابتدعت هذه العبارة الغريبة: «قال كبيرهم أفلاطون إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى أينين.» كما أنها حرفت «الحقيقة المتعقلة» وجعلتها «الحقيقة المتعلقة»، واستبدلت عبارة «يحلق فوقها» بعبارة «يلحق فوقها»، إنها مسخت «العلوم الآلية» مسخا غريبا، حولها إلى «العلوم الإلهية»، وحرفت تركيب «سن بكره» وجعلته «بين نكرة»، فجردته بذلك عن كل معنى معقول، كما حولت «عالم القردة» إلى «عالم القدرة»، فغيرت المعنى المقصود تغييرا هائلا.
1
وقد تطفلت بعض الطبعات بزيادة أداة «إلا» في جملة نافية، فقلبت معناها رأسا على عقب، وبعكس ذلك قد حذفت كلمة «ليس» من عبارة أخرى، فجردتها من كل معنى مفهوم، كما أنها أسقطت عدة كلمات من بعض العبارات، من غير أن تنتبه إلى أن ذلك قد جعل العبارة عديمة المعنى.
2
ومن الأمور الغريبة أن الطبعات المصرية والشامية ناقصة من حيث المتون والفصول أيضا: فإذا قارنا إحدى هذه الطبعات بطبعة باريس التي كان تعهدها المستشرق «كاترمير» في نفس السنة التي كان قد أتم فيها الشيخ نصر الهوريني طبعة بولاق في مصر، نجد أنه ينقص منها أحد عشر فصلا كاملا من الفصول المهمة، كما ينقص منها عدد غير قليل من الأبحاث والفقرات من الفصول المختلفة، وإذا أحصينا مجموع صفحات هذه الفصول والفقرات الناقصة نجد أنها تزيد على الستين.
صفحه نامشخص