دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرها
يدعي فيكو بأن التاريخ العام يجتاز ثلاثة أدوار؛ الدور الأول هو دور الآلهة أو الدور الإلهي، وهو الدور الذي يستند فيه الحكم إلى الدين مباشرة، وتجري فيه الأوامر والنواهي حسب ما يعتقد بأنه مشيئة الله أو الآلهة.
الدور الثاني هو دور الأبطال أو الدور البطولي؛ وهو الدور الذي يكون فيه الحكم بيد أبطال أشداء ومحاربين، يعتقد الناس بأنهم من طينة غير طينة الإنسان العادي.
وأما الدور الثالث فهو الدور البشري الذي تتأسس فيه الحضارة بأشكالها المعلومة.
إن هذه الأدوار تتوالى على شكل دائرة تامة، حيث يتصل منتهى الدور الثالث بمبدأ الدور الأول، فكل أمة من الأمم تنتقل في تاريخها من دور الآلهة إلى دور الأبطال فدور البشر، وعندما تبلغ غايتها من الدور الأخير تعود مرة أخرى إلى دور الآلهة، وتبدأ بذلك دورة جديدة على هذه الدائرة الأزلية الأبدية.
قد تتوقف الأمم في ناحية من نواحي هذه الدائرة في دور من هذه الأدوار، غير أنها لا تستطيع أن تخرج من نطاقها أبدا.
هذه هي الدائرة الأزلية التي رسمتها القدرة الصمدانية للأمم، والتي اكتشفها العلم الجديد بفضل تأملات فيكو، هذه هي الدائرة التي تدور عليها تواريخ جميع الأمم في جميع القرون.
إن جميع المساعي التي بذلها فيكو في العلم الجديد تحوم حول هذه النظرية الأساسية، وترمي إلى شرح وتفصيل وتعليل هذه الأدوار الثلاثة في حياة الأمم.
3 (1)
يبدأ فيكو قصة التاريخ العام من الطوفان؛ إن أبناء نوح بعد الطوفان لم يسيروا على وتيرة واحدة، ولم يسلكوا مسلكا متماثلا، بل إن سلوك أولاد سام اختلف عن سلوك أولاد حام ويافث اختلافا كليا؛ فإن أولاد سام بقوا حيث كانوا، فحافظوا على لغاتهم، واعتقاداتهم، وسائر خصالهم البشرية، غير أن أولاد حام ويافث تشتتوا في أنحاء الأرض؛ فتباعدوا بذلك عن الخصال البشرية تباعدا كليا.
كانت الأرض مستورة عندئذ بغابات كثيفة جدا، فانتشر أولا حام ويافث في هذه الغابات إلى جميع الجهات؛ هربا من مطاردة الحيوانات المفترسة، وانتجاعا للماء والغذاء، وسعيا وراء النساء اللاتي كن لا يستسلمن إلى شهواتهم. وعلى هذا الوجه صاروا يعيشون عيشة بهيمية، نسوا خلالها لغاتهم وأديانهم، وفقدوا جميع مزاياهم البشرية، فانحطوا إلى دركة البهائم تماما، حتى إن قامتهم نفسها تباعدت عن القامة البشرية المألوفة، وعادت إلى ما كانت عليه من الضخامة قبل الطوفان؛ فأصبح كل فرد منهم عملاقا. وانقسم البشر لذلك إلى قسمين أساسيين، يختلف الواحد عن الآخر من حيث الأصل والنسل أيضا اختلافا جوهريا؛ القسم الأول كان العبران، والقسم الثاني كان العمالقة.
صفحه نامشخص