دین و وحی و اسلام

مصطفى عبد الرازق d. 1366 AH
51

دین و وحی و اسلام

الدين والوحي والإسلام

ژانرها

وأفاضل الملأ الأعلى - الذين هم القسم الأول - تجتمع أنوارهم وتتداخل فيما بينها عند الروح الذي وصفه النبي

صلى الله عليه وسلم

بكثرة الوجوه والألسنة، فتصير هنالك كشيء واحد وتسمى حظيرة القدس.

وربما حصل في حظيرة القدس إجماع على إقامة حيلة لنجاة بني آدم بتكميل أزكى خلق الله يومئذ وإمضاء أمره في الناس، فيوجب ذلك تمثل علوم فيها صلاح البشر وهداهم في قلبه وحيا ورؤيا وهتفا وأن تتراءى له وتكلمه شفاها.

وهذا أصل من أصول النبوة، ويسمى إجماعهم المستمر بتأييد روح القدس، ويثمر هناك بركات لم تعهد في العادة فتسمى المعجزات.

أما القسم الثاني قسم النفوس التي استوجب فيضانها حدوث مزاج معتدل في بخارات لطيفة فإنهم دون الأولين.

وكمال هذه النفوس أن تكون فارغة لانتظار ما يترشح من فوقها، فإذا ترشح شيء بحسب استعداد القابل وتأثير الفاعل انبعثوا إلى ذلك الشيء، كما تنبعث الطيور والبهائم بالدعاوى الطبيعية، فأثروا في قلوب البشر وغيرهم حتى تنقلب إرادتها وأحاديث نفوسها إلى ما يناسب الأمر المراد، وقد تؤثر في بعض الأشياء الطبيعية بمضاعفة حركاتها وتحولاتها، كما يدحرج حجر فأثر فيه ملك، فمشى في الأرض أكثر مما يتصور في العادة، وربما ألقى الصياد شبكة فجاءت أفواج من الملائكة تلهم في قلب هذه السمكة أن تقتحم وهذه أن تهرب، وربما تقابلت فئتان، فجاءت الملائكة تزين في قلوب هذه الشجاعة والثبات، وتلهم حيل الغلبة، وتؤيد في الرمي وأشباهه، وفي قلوب تلك أضداد هذه الخصال ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

وبين الوحي عند الصوفية والوحي عند الفلاسفة تشابه غير خفي.

فالوحي عند هؤلاء وأولئك إشراف من النفس الإنسانية على حقائق الكون المثبتة في عالم فوق عالمنا، لكن بين المذهبين مع هذا التشابه فروقا.

فالعالم العالي عند الفلاسفة عقول مجردة ونفوس هي عقول الأفلاك ونفوسها وصور الأشياء منقوشة فيها بحكم أنها مصادر لها وأسباب لوجودها وبحكم أنها مجردة بطبعها دراكة. واتصال النفوس البشرية بهذه النفوس الملكية هو اتصال روحي يطبعها بما أشرفت عليه من المعارف كمرآة تحاذى بها مرآة أخرى.

صفحه نامشخص