إن الأقسام الجديدة هي مناطق سكن، ليس فيها سوى حوانيت بسيطة في جادة الصالحية، وقد اختار الأجانب هذه المنطقة لسكناهم، وفيها البرلمان السوري، والقصر الجمهوري، ودوائر السلطة الفرنسية، والقنصليات، والمعاهد الأجنبية.
وقد خطت دمشق منذ عشرين سنة خطوات سريعة في سبيل العمران، وأنشئت فيها أحياء حديثة وتجددت أخرى، مما يبشر المدينة بمستقبل زاهر، لا سيما بعد أن وضع لها مخطط روعي فيه أحدث أساليب العمران، وقد أنجز أثناء هذه الحرب تنظيم مدخل دمشق، فصار يدخل إليها القادم من بيروت من شارع عريض طوله خمسة كيلومترات بين الحدائق والأشجار، ويطل منه على ملعب المدينة ودار الآثار والجامعة السورية ومدرسة التجهيز وتكيتي السلطانين سليم وسليمان، وهو أحد متنزهات المدينة التي تغبط عليها، وقد دعي مؤخرا شارع فاروق الأول.
وتمتاز دمشق عن غيرها من المدن بكثرة متنزهاتها، تحدق بها الأشجار من كل جهة، وحيث خرجت منها لا ترى إلا متنزهات، وأشهرها وادي الربوة ودمر والمزة وسهل القابون والغوطة، وأما ملاهي المدينة ودور السينما والفنادق فهي بجوار ساحة الشهداء حيث أكثر المصانع الرسمية، ولا يمضي على دمشق وقت طويل حتى تصبح في طليعة المدن الشرقية عمرانا وتنسيقا، وتستعيد مركزها القديم الزاهر تجمع بين القديم والحديث، فيجد فيها كل غاو هواه بعون الله.
بعض الكتابات والنقوش الأثرية
يقول الأثري «فان برشم» إن في الجامع الأموي في دمشق نصوصا عربية وكتابات عجيبة من عهد السلجوقيين كتبت بالقلم الكوفي، وسلسلة من أوامر سلاطين المماليك، وأبواب المدينة عبارة عن متحف لملوك الشام منذ عهد نور الدين والملك العادل إلى زمن الغوري، وفي وقفيات هذه المعاهد المزبورة على المساجد والمدارس والمستشفيات والأديار والقبور تفاصيل غريبة في إدارة هذه الأبنية وجغرافية ضاحية دمشق، وفي هذه المدينة يتيسر للناظر في بعض الكتابات الباقية من عهد نور الدين تعيين الزمن الصحيح الذي خلف فيه الخط المدور الخط الكوفي.
ولقد كشفت في الأعوام الأخيرة واجهة عظيمة من الحائط الغربي في الجامع الأموي معمولة بالفسيفساء، ويرد عهدها إلى أول بناء الجامع، كما كان عثر في قبة صحن هذا الجامع على رقوق من أهم ما ظفر به الباحثون، وكانت هذه القبة القائمة على سوار عالية معلقة لم تفتح من قرون طويلة، ففتحت سنة 1317ه بأمر السلطان عبد الحميد الثاني العثماني، وإجابة لمقترح الإمبراطور جليوم الثاني الألماني، فوقعوا فيها على قطع من الرقوق كتبت فيها سور من القرآن الكريم بالخط الكوفي، ومنها قطع من مصاحف وربعات ومقاطيع من الأشعار بالأرمية الفلسطينية، وكتابات وأدبيات دينية وقصص رهبانية، ومزامير عربية بالحرف اليوناني، ومقاطيع من شعر أوميروس، وكراريس وأوراق بالقبطية والكرجية والأرمنية في موضوعات دينية، وجزازات عبرانية وسامرية فيها نسخ من التوراة وتقاويم أعياد السامريين، وصلوات وصكوك بيع وأوقاف وعقود زواج، بينها مقاطيع لاتينية وفرنسية قديمة، وقصائد يرتقي عهدها إلى أيام الحروب الصليبية ونسخ إنجيل برقوق.
فأهدى السلطان قسما منها إلى إمبراطور ألمانيا، والباقي ما زال مخبوءا في مستودع وزارة الأوقاف في الآستانة، وأهدى بعض رجال السلطنة في دار الملك وفي عاصمة الأمويين بعض الرقوق من القرآن، منها مجموعة حفظت في دار الآثار بدمشق بينها قطعة كوفية مكتوبة على رق من ربعة شريفة، وقفها عبد المنعم بن أحمد سنة 298، وعلى الوجه الثاني نقش مذهب باسم واقفها.
وبعد، فإن من ألقى نظرة عجل على بعض المساجد الأثرية يقرأ خطوطا جميلة، ويسقط على نقوش بديعة من صنع أهل الفن من الدمشقيين، ففي جامع التيروزي والدرويشية والسنانية والمرادية وجامع أقوش النجيبي في السويقة نماذج من القاشاني البديع، وفي جامع التبان بالمناخلية عمودان من القاشاني على طول متر وله منبر مهم، وفي مدفن الصحابي بلال الحبشي تابوت صنع سنة 625، وفيه قاشاني من صنع كوتاهية، وفي جامع تنكز قبران في حجرة واحدة، ولها محراب من الفسيفساء ونافذتان جميلتان، ويكثر القاشاني في الجوامع التي بنيت في عهد العثمانيين وفي بعض الدور القديمة التي يرد عهد بنائها إلى أكثر من قرنين، ولا تكاد قاعة قديمة في البيوت القديمة التي بناها أرباب اليسار تخلو من القاشاني البديع، وفي زقاق السقطى في الصالحية بيتان باسم وقف السقطي، تجد في الأول منهما 16 قطعة مربعة من القاشاني على صورة محراب كتبت عليه أسماء الخلفاء الراشدين، وفي الثانية قطعة مسدسة الشكل و4 قطع مربعة، وفي جامع الشامية معرشات بديعية وخطوط، وتابوت السيدة سكينة في مقبرة الباب الصغير عمل سنة 560، ونقش بخطوط كوفية داخل حروف ونقوش وحروف أخرى بالكوفية، وتابوت سيد صهيب في الميدان من توابيت القرن السادس، وتابوت بخت خاتون المعروفة بالسيدة حفيظة جميل بديع، وفي الصمادية في حي الشاغور عدة سقوف مهمة، وفي بعض الأحياء القديمة سقوف بديعة باعها أصحابها من عشاق الآثار، كما باعوهم الصناديق القديمة المكتبة، وأكثرها من خشب الجوز المتين، وفي المدرسة التكريتية أمام دار الأشرفية البرانية بالصالحية مقرنصات جميلة ذات تعاريش وكتابات.
وصف القدماء والمحدثين لدمشق
قيل لإسحق بن يحيى الختلي - من ولاة دمشق 235ه: لم سكنت دمشق وفلحت أرضها وأكثرت فيها الغروس من أصناف الفاكهة، وأجريت المياه إلى الضياع وغيرها؟ قال: لا يطيق نزولها إلا الملوك.
صفحه نامشخص