وحرق قصر الإمارة في فتنة الفاطميين، فبقيت دمشق بدون دار إمارة، ولما ملكها تاج الدولة تتش في سنة 471 بنى دار الإمارة في القلعة، وزاد فيها شمس الملوك دقاق، وأنشأ بابين للقلعة مع دار المسرة فيها والحمام المحدث على صيغة اخترعها، وبنية افترعها، وصفة آثرها.
ولا أثر لما بناه جعفر بن فلاح لما فتح دمشق للفاطميين سنة 358، وكان نزل بظاهر سور دمشق فوق نهر يزيد، وأقام أصحابه هناك الأسواق والمساكن، وصارت شبه مدينة، واتخذ لنفسه قصرا عجيبا من الحجارة، وجعله عظيما شاهقا في الهواء، غريب البناء، وهذا القصر من المفقود، كما أنه لا أثر لما بناه الأشرف بن العادل من القصور والمتنزهات الحسنة في القرن السادس، ولم يبق أثر لقصور السكسكي التي كانت بهجة الأنظار في القرن الثالث في إقليم بيت لهيا على نحو ميل من شمالي دمشق، وكانت في أملاكه هناك عدة قصور مبنية بالحجارة والخشب الصنوبر والعرعر، في كل قصر منها بستان ونهر يسقيه، وكان كل جليل يقدم من الخضرة أي من بغداد، أو من مصر يريد الخضرة ينزل عنده في قصره، وما خلا عصر من مثل هذه القصور يقيمها أهل اليسار من التجار وغيرهم أو رجال الدولة وأصحاب الوجاهة. وفي العصور الحديثة شيدت قصور كثيرة في المدينة وربضها، ومنها ما أنفق عليه من أموال مغصوبة فخربت بعد قليل، «والحجر المغصوب في البناء أساس الخراب» كما قيل. وكان في الصالحية محل يسمى القصر عمره أبو البقاء الصفوري سنة 1035ه، وكان يقال له صاحب القصر، ولا يعرف هذا القصر ولا القصر الذي كان في الصالحية أيضا لحسين بن قرنق وعمره في سنة 1077ه، وكان يضرب المثل بقاعته، وكان ابن قرنق صدر دمشق عمر الأماكن البهية، ومن جملتها هذا القصر.
ومن أجمل أمثلة البناء الجميل الباقي أكثره دار أسعد باشا العظم في جوار جامع بني أمية، انتهت عمارتها سنة 1174ه، وهي مثال من هندسة الدور في العهد الأخير، اشترتها حكومة فرنسا من ورثتها وجعلتها معهدا للدراسات العلمية، وقد حرقت في ثورة سنة 1925 قاعتها، وكانت أجمل ما حوت تلك الدار.
وفي القرن الخامس دخل دمشق طراز من دور العلم سموه بالمدرسة، وأول مدرسة أنشئت للقرآن في سنة 444 أنشأها رشأ بن نظيف المقري الدمشقي، وكثرت بعد ذلك دور القرآن ودور الحديث ومدارس الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والزوايا والرباطات، أنشأها الملوك وأتباعهم من الأمراء والعتقاء والجواري وبعض أهل الخير من التجار والأغنياء، وختم تاريخ المدارس بانقراض ملوك الطوائف ودخول الدولة العثمانية.
ذكر صاحب كتاب الدارس - وهو مما ألف بعد خمس سنين من دخول العثمانيين - أن في دمشق 7 دور للقرآن، و18 دارا للحديث، و57 مدرسة للشافعية، و51 مدرسة للحنفية، و4 مدارس للمالكية، و10 مدارس للحنابلة، وكان بها أربع مدارس للطب، ومدرسة للهندسة، وفي دمشق وصالحيتها 26 خانقا، و23 رباطا، و26 زاوية، وجميع هذه المدارس والرابطات خربت على عهد العثمانيين، ولما غادروا دمشق ما كان فيها من تلك المعاهد سوى بضع مدارس أكثرها خراب، سطا عليها أهل الجوار أو باعها أكلة الأوقاف، وكانت هذه المدارس مدة قرون أشبه بكليات لمدرسة جامعة كبرى، تدرس فيها بعض علوم القدماء إلى جانب علوم الدين واللغة، ومنها خرج أعاظم الملة، وكانت من أجمل الأدوات في إخراج المسلمين من الأمية، تتعاور هذه الواجب مع الجوامع والكتاتيب التي يقفها أهل الخير لتعليم اليتامى والفقراء القرآن والخط، وتكون على الأغلب على أبواب الجوامع أو على مقربة منها؛ ليألف الصغار الصلاة منذ نعومة أظفارهم.
ولابن منقذ الكناني في المدارس:
ومدارس لم تأتها في مشكل
إلا وجدت فتى يحل المشكلا
ما أمها مرء يكابد حيرة
وخصاصة إلا اهتدى وتمولا
صفحه نامشخص