وواقع الحال، أن خطب وكلمات نهج البلاغة، لا يمكن أن تثبت كلها كلمة كلمة إلى الإمام علي باستعمال المناهج الصارمة للمحدثين باختلاف طوائفهم. وغاية ما يمكن أن نعمله هو أن نثبت الانتساب الإجمالي للنهج إلى الإمام علي، بحيث نقول إن مجموع الكتاب له نسبة إلى الإمام، وأما بعض مفرداته فقد تصح عنه، وقد لا تصح . وعليه، فإن هذا المنهج سيحرمنا كثيرا من الاستفادة من هذا السفر العظيم.
وأما إذا انطلقنا من حيث أن الكلام يستمد صحته وصوابيته من ذاته أولا بذاته، من خلال العقل، وليس من خلال قائله، فإن نظرتنا إلى نهج البلاغة واستفادتنا منه ستختلف. حينها، سننظر إلى النهج من حيث مضامينه التي تفتح لنا آفاقا للتأمل والتفكير. مضامين قد نختلف معها، كما قد نوافقها، ولكنها في نهاية الأمر تثير عقولنا لاستكشاف أبواب لم نكن على اطلاع عليها.
إن نهج البلاغة من حيث مضمونه بحر متلاطم من المعاني الروحية، والصراعات السياسية، والحكم التأملية، والنظرات الفلسفية، والمشاهدات العلمية، يخوضه المرء فيجد نفسه ينتقل من موج إلى موج، كل ذلك من خلال أسلوب أدبي في غاية الرقي .
صفحه ۲