ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرها
من بني عمي نحيف
أحب إلي من علج عليف
فما أبغى سوى وطني بديلا
فحسبي ذاك من وطن شريف
وذلك مع الفارق البعيد بين قصور الشام وبيوت الحجاز وبين سن معاوية وسن عثمان، وبين ما ترجوه زوجة الخليفة بعد موته، وما ترجوه زوجة معاوية وأم يزيد وأم شقيقته «أمة رب المشارق» وسيدة القصر تكاد أن تنفرد فيه وأن تغدو وتروح بين الحاضرة والبادية حين تشاء. •••
هذه لمحة من ملامح «الشخصية العثمانية» لا تهمل في مكانها من سيرته الخاصة، ولعلها أهدى للمؤرخ من شيم كثيرة توضح له خلائقه التي يؤثر بها فيمن حوله، ولا شك أنها تزداد وضوحا إذا اتضحت معها ملامح الشخصية التي تأثرت بهذا الأثر، وهي السيدة نائلة التي جاءته نافرة تنعي غربتها وزواجها من غير بني عمومتها ولم تلبث أن تحنفت وأخلصت لبعلها في وفائها واعتقاده.
فهذه شخصية قوية من بيئة عريقة في القوة والاعتزاز بالعرف والقوة، وقومها بنو كلب إحدى القبائل التي هجرت موطنها قديما في الجزيرة العربية وحافظت على أرومتها وعصبيتها وفصاحتها؛ فكانت إلى ما بعد الإسلام بعدة قرون مرجعا لمن يتقصى أساليب الفصحى أو يريد أن ينشئ أبناءه على خشونة البادية وصحتها، ومهما نصعد مع أصولها في القدم نجد في أخبارها - بل في أسمائها - لونا من ألوان هذه العصبية وهذه الخشونة وهذه العراقة البدوية التي لا يسهل على أبنائها وبناتها أن يتخلقوا بخلق غيرها.
وتنسب هذه القبيلة على وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ويقول النسابون: «إن وبرة ولد له كلب وأسد ونمر وذئب وثعلب وفهد وضبع ودب وسيد وسرحان»، ثم يزيدون على ذلك بعد الإسلام: «إن من أشراف كلب الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، وهو الذي تزوج عثمان بن عفان ابنته نائلة بنت الفرافصة، ومنهم زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة ، ومن أسلافهم في الإسلام دحية بن خليفة الكلبي وهو الذي كان جبريل عليه السلام ينزل في صورته، ومنهم حسان بن مالك بن جذيمة ...»
ويؤخذ من بعض أخبار الكنيسة الشرقية أن رؤساءهم دانوا بالمسيحية؛ تلبية لدعوة الرسل الأولين في بادية الشام قبل أن تدين بها الدولة البيزنطية، خلافا لما قد يظن من أنهم دانوا مع الدولة القائمة في بلاد الروم.
وأيا كان مقطع القول في ذلك، فلا مراء في قوة هذه القبيلة وعراقتها واعتزازها بأصولها واعتدادها بأنفتها وخشونتها كأنها ضرب من الإيمان أو آصرة من أواصر الأنساب، وقد عجزت قصور الملك في دمشق أن تروض أم يزيد على البقاء مع بعلها في القصر المنيف؛ فلم يسع معاوية إلا أن يرسلها وابنها إلى باديتها؛ عسى أن يستفيد من تلك النشأة منعة في الخلق تواتيه يوم ينهض بأعباء الدولة التي أعدها له من صباه.
صفحه نامشخص