ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرها
وكان عثمان ممن بقي معه ولازمه غير مكره ولا راغب في الرحلة كما رغب فيها الذين لم يرتحلوا ارتحاله قبل الإسلام، ولم يشتغلوا بالدين اشتغاله بعد الإسلام، فركن إليه عمر في طلب المشورة، وعمل بمشورته في إحصاء الناس والأعطية، وفي بدء السنة بشهر المحرم، وعمل بها في خطته الكبرى وهي خطة العزل بين الإمامة والقيادة في ميادين القتال، فإن إصابة الإمام قد تطمع العدو وقد تيئس الصديق، وليست كذلك إصابة القائد الذي من ورائه إمام يوليه ويولي أنداده وأمثاله من بعده، وهي نصيحة من عثمان لعمر ما أدلها على سرائر المؤمنين في ذلك العهد الأمين: ينصح الناصح ولا يبتغي بنصيحته غير وجه الله، ويتقبلها السامع وهو لا يبتغي بقبولها غير وجه الله.
شيء واحد من أشياء كثيرة يكشف لنا عن أصالة المشكلات والنقائض في عهد عثمان.
فها هنا فترة من التربية السياسية مرت به ومر بها ولم تهيأ لخليفة قبله ولا بعده، فهي أطول من فترة التربية السياسية التي تهيأت لأبي بكر مع النبي، وأطول من الفترة التي تهيأت لعمر مع النبي والخليفة الأول، ثم هي أطول من الفترات التي تهيأت للخليفة الرابع علي الذي جاء بعده؛ لأن عليا رضي الله عنه أسلم وهو صبي، ومضت عليه سنوات قبل مشاركته في أعمال الرأي أو أعمال الفعل والإنجاز، وقد كان إسلام عثمان وهو في نحو الثلاثين - مشهود له بالحزم والبصر، ومتأهب من اللحظة الأولى للمشاركة في كل خطة يتعاون عليها - أقرب المقربين من صاحب الدعوة، وبينه وبين صاحب الدعوة عليه السلام صهر ومودة وقرابة ليست بالبعيدة.
وفي هذه الفترة التي تمرس فيها بشئون الدعوة وشئون الخلافة عرضت كل مشكلة وارتسمت كل خطة في معاملة الصحابة وسائر المسلمين، وارتسمت كذلك كل خطة في معاملة المشركين والمنافقين من مسالمين أو محاربين ومن أناس على المواربة بين السلم والقتال، واتضحت على هذا النحو حدود الإمام وحدود أحوال الرعية ومواضع الترخص والتشدد في جميع هذه الحدود على اختلاف أحوال اليسر والعسر أو أحوال التبسط والحرج، وكان خليقا به وهو مطلع على كل قدوة وكل سابقة أن يكون اطلاعه هذا عدة جامعة يستعد بها لولاية الخلافة وتدبير الولايات من قبلها، وصراطا يستقيم عليه فلا يعوزه الرأي الواضح ولا التصرف العاجل في أمر من الأمور.
وهذه هي المشكلة الكبرى.
بل هذه هي مشكلة المشاكل في عهد عثمان من قبل ابتدائه إلى ما بعد نهايته.
المشكلة الكبرى كما سوف تتراءى لنا أنه لم يعمل في خلافته عملا قط على غير سابقة تشبهه في كل شيء إلا في ظروفه وملابساته؛ فقد تغيرت كل الظروف والملابسات وهي هي بيت القصيد في كل استعداد لها بالقدوة السابقة.
لقد كانت له سابقة في كل شأن من شئونه حتى في شئون زواجه ومصاهرته، وحتى في شئون تمييزه وتأليفه لذويه ولأعدائه، ولكن مع هذا الفارق الواحد الذي هو في الحقيقة جامع لكل فارق يخطر على البال، وهو فارق الظروف والملابسات.
كانت تربيته السياسية عدة له وأي عدة، وكانت مع هذا هي مشكلة المشكلات بين الاستعداد بها والتصرف فيها وفاقا لما اختلف من ظروفها وملابساتها.
عدة ولا عدة.
صفحه نامشخص