ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرها
وحقيق بهذه القصة أن نحضرها أخلادنا ونحن مقبلون على العلل والتعلات في الدعوة لعثمان والدعوة عليه، فإننا لواردون على علل كثيرة وتعلات أكثر منها، تسبقها الرغبة في خلق المحاسن أو المآخذ فلا تعيا مرة بخلق ما تريد.
ومنذ اليوم الذي أسلم فيه عثمان لزم النبي حيث كان، ولم يفارقه إلا للهجرة بإذنه، أو في مهمة من المهام التي يندب لها، ولا يغني أحد فيها غناءه شأنه في هذه الملازمة شأن الخلفاء الراشدين جميعا، كأنما هي خاصة من خواصهم رشحهم لها ما رشحهم بعد ذلك للخلافة متعاقبين بغير حاجة إلى مفاضلة وترجيح.
فمن الصحابة من كان يبرح المدينة أو مكة في عمل من أعماله، ومن كان يحضر الغزوات ويغيب عما عداها في مصالحه ومصالح أهله، ما عدا أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، فقد أصبح عملهم بعد إسلامهم مقترنا بعمل النبي في مقامه وسفره، وقد يقترن به فيما عم أو خص من أمره صلوات الله عليه، وتلك وشيجة من وشائج الواقع غير مدبرة ولا مقدرة، تجمع بين النبوة والخلافة كما ينبغي أن تجتمعا بحكم القرابة اللدنية بين المهمتين المتلازمتين.
وترك عثمان تجارته الواسعة لمن يتولاها عنه من وكلائه وذوي قرباه، وجعل بيته بيتا لمال المسلمين قبل أن يكون للدولة الإسلامية بيت مال، فلم يتطلب عمل الرسالة مددا من زاد السلم أو الحرب إلا نهض به عثمان وحده، أو كان أول ناهض به مع القادرين على بذل المال في هذا السبيل.
شكا المهاجرون تغير الماء بالمدينة، ولم يجدوا فيها غير بئر واحدة يستسيغون ماءها، وكانت عند يهودي يغالي بثمنها؛ فاشترى منه نصفها وغلبه دهاء؛ لأنه قسم سقياها يوما له ويوما لصاحبها، وأباح السقيا منها بغير ثمن في يومه، فكان طلاب الماء يأخذون منه كفايتهم في ذلك اليوم ... ونظر اليهودي فرأى أنه لا ينتفع من نصفه الباقي له بكثير أو قليل، فلما باعه بالقليل بعد المغالاة فيه وهبها عثمان لمن يستقي منها في جميع الأيام.
ولما ندب النبي
صلى الله عليه وسلم
المسلمين لغزوة تبوك لم يكن عندهم من المال ما يقوم بنفقاتها؛ لبعد شقتها، واشتداد القيظ في وقت الخروج إليها، فتكفل عثمان وحده بثلث نفقاتها، وتبرع للمجاهدين بالمطايا والأطعمة، وجاء بألف دينار في كمه فنثرها في حجر الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وكرر ذلك غير مرة على ما جاء في جمهرة الأخبار.
واشترى أرضا ليزيدها في بناء المسجد، بذل فيها عشرين ألف درهم أو خمسة وعشرين ألفا، ولم يقصر عن معونة يستطيعها في عسرة أو مجاعة، مدعوا إلى ذلك أو ملبيا من نفسه داعية النجدة والسماحة، فلم يضارعه في سخائه أحد من أقرانه، وكان بحق أسخى الأغنياء وأغنى الأسخياء.
صفحه نامشخص