ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرها
نعنى في تراجم عظماء الصدر الأول من الإسلام بالكلام على ثقافتهم، ومصادر هذه الثقافة من معلومات زمنهم، ونرى أنها من العناصر التي لا غنى عنها في التعريف بمنازلهم وكفاياتهم؛ لأن هذه الكفايات قسمة بين قوة النفس والخلق، وبين قوة الفهم والتفكير، ولا تخفى علاقة ثقافتهم بما يفهمون ويفكرون.
وبديه أن ثقافة الأقدمين غير ما نريده بكلمة الثقافة في العصر الحديث، ولكنه فرق يحسب للأقدمين، ويشهد باجتهادهم ودرايتهم بالاستفادة من القليل المبعثر حيث لا يستفاد اليوم من الكثير المجموع الميسر لطالبيه، ولو أننا جعلنا ودائع الورق مقياسا للثقافة؛ لكانت أوراق تلميذ مبتدئ في عصرنا أضخم من أوراق نوابغ المثقفين في صدر الإسلام، ولكنهم كانوا بهذا المحصول القليل يعملون ما يعجز نوابغنا وأبطالنا، ويتكلمون في المعضلات فإذا بالكلمة الوجيزة فصل الخطاب.
ونخال أن الاختلاف بيننا وبينهم في ثقافتنا وثقافتهم يتلخص في فرق واحد يحصر جميع الفروق، وذاك أن الكلمة قد رخصت في زمن المطبعة وإباحة الكلام أو ابتذاله لمن لا يحسنه في قول ولا استماع.
كانت الكلمة تسمع وتحفظ، وتنقل من سلف على خلف، وتندمج في تجربة كل سامع كأنها زيادة عضوية تتوالد ولا تموت.
كانت بضعة من حياة.
كانت تصان كما تصان ذخائر الآباء والأجداد، ولو أنها صينت هذه الصيانة لأول مرة في عصر التنزيل؛ لما استغرب أحد تقديسهم للكلمة التي يعلمون أنها مقدسة ويصونونها إيمانا بالفريضة الإلهية، وما في ذلك غرابة عند الأقدمين أو المحدثين، ولكنهم فعلوا ذلك قبل عصور التنزيل، وتعودوا الحرص على ذخيرتها الإنسانية قبل أن يتعودوا الحرص عليها وهي ذخيرة سماوية يدخرونها لحياة أبقى من الحياة الدنيا، وهي حياة الخلود.
إليك مثلا علمهم الذي يسمونه علم الأنساب: ما مبلغه من العلم بالقياس إلى العلم الذي يقابله في زماننا، وهو علم التاريخ؟
أين ذلك مما يستوعبه اليوم من النقد والتحليل والشرح والتفصيل والتفريع والتأصيل؟
لكن علم الأنساب هنالك وشائج أعراق وأحساب وعروق في الأبدان والأنفس لا يدفنها التراب.
إذا عرف أحدهم نسبا؛ فقد عرفه ليهتز بفخره، أو يهتاج بعداوته، أو يقرفه بفعال صاحبه، ويشهدها في ذريته وخلفائه.
صفحه نامشخص