غريبة.
قال صاحب التالد والطريف أنشدت بعض الإخوان الظرفاء بيتي ذي القرنين ابن حمدان الحمداني وهما:
إني لأحسد لا في أسطر الصحف ... إذا رأيت أعتناق اللام للألف
وما أظنهما طال اعتناقهما ... إلا لما لقيا من شدة الشغف
فلما سمعهما قال وقد وقع لي في هذين البيتين حكاية لطيفة غريبة ظريفة وهي أني كنت أحب غلاما لطيفا أديبا ظريفا فكتبت له صورة لام ألف لا وقصدت بها ما قاله الشاعر في البيتين فكتب ل امفترقين هكذا وقصد أذيتي بها وأرسلها إلي كأنه يقول لا أملكك من عناقي أبدا فكتبت له لفظ لام هكذا وأردت مقلوب ذلك فكتب لا متصلة هكذا وأرسلها إلي فعلمت بذلك رضاه وتعجبت من فهمه وحذقه فلما اجتمعنا عتب علي وقال عميت الأمر علي وأعتبتني قلت مثلك يصلح للمنادمة والمجالسة.
قلت وهذه الحكاية تشبه أن تكون عن أبي زيد السروجي أو من باب التجريد.
قلت مثل هذين البيتين المتقدمين قول القائل:
يا من إذا قرأ الإنجيل ظل به ... قلب الحريف عن الإسلام منحرفا
إني رأيتك في نومي تعانقني ... كما تعانق لام الكاتب الالفا
وقولي من قصيدة:
إن تنأ عمن يعاني فيك كل عنا ... فحسبه صوب دمع للنوى وكفا
بالحب صيرت لاما قامتي أترى ... يوما تعانق من أعطافك الألفا
وما أرق قول بعضهم في المعنى:
حكت قامتي لاما وقامة منيتي ... حكت ألفا للوصل قلت مسائلا
إذا اجتمعت لامي مع الألف التي ... حكتك قواما ما يصير فقال لا
وذكر ابن خلكان في تاريخه أنه اجتمع الإمام أبو بكر محمد ابن الإمام داود الظاهري وأبو العباس بن شريح في مجلس الوزير الجراح فتناظرا فقال له ابن شريح أنت الذي تقول من كثرت لحظاته دامت حسراته أنا أبصر منك بالكلام فقال له أبو بكر لئن قلت ذلك فإني أقول:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال المحرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لوانه ... يصب على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما أن أرى حبا صحيحا مسلما
فقال له ابن شريح ولم تفتخر علي ولو شئت أنا أيضا لقلت:
ومسامر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته
ضنا بحسن حديثه وغنائه ... وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراته
صفحه ۲۷۴