امتدت لسنوات عديدة. ومع عنايته بالفقه لكنه صرف جماع همته إلى الحديث فتوجه إليه بالكلية ، وأصيب بالشره في طلبه ولم يتركه طوال مسيرته العلمية ، واتصل بكبار المحدثين يومئذ ولازمهم مثل ابن رزقوية وأبي بكر البرقاني. وحين استكمل حديث بلده بدأ رحلات منظمة لطلب العلم ، فكانت رحلته الأولى إلى البصرة سنة 412 ه. وتوجه في رحلته الواسعة إلى نيسابور سنة 415 ه ودخل الدينور والري ، وأخذ عن شيوخ تلك البلدان. وفي سنة 421 ه توجه الخطيب إلى أصبهان قاصدا أبا نعيم الأصبهاني أكبر علمائها يومئذ وليأخذ عمن بقي فيها من المسندين الكبار ، وعاد منها سنة 422 ه حيث استقر ببغداد وقد اكتملت بضاعته العلمية ، فاتجه إلى التصنيف ، فألف العديد من كتبه ، وانتهى قبل سنة 445 ه ، وهي السنة التي حج فيها ، من تأليف كتابه العظيم «تاريخ مدينة السلام» في نشرته الأولى.
وقد امتحن الخطيب بعد استيلاء البساسيري ، أحد أعوان بني عبيد ، على مدينة السلام بغداد ، مما اضطره إلى ترك موطنه والهجرة إلى بلاد الشام في منتصف صفر من سنة 451 ه ، فتغرب عن مدينة الحبيبة قرابة الأحد عشر عاما قاسى فيها مرارة الغربة (1) حتى عاد إليها في سنة 462 ه وقد بلغ السبعين من عمره ، فاستقر في حجرة بباب المراتب جوار المدرسة النظامية يحدث بتاريخه العظيم ، ثم سرعان ما انتقل إلى رحمة الله بعد سنة واحدة من عودته فتوفي في ذي الحجة من سنة 463 ه ، ودفن بمقابر باب حرب (2).
يتكون تاريخ الخطيب من مئة وستة أجزاء حديثية ، والجزء كراسة تتكون
صفحه ۳۹