الأمير أمين
هو ابن الأمير عباس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بن يحيى بن مذحج بن جمال الدين أحمد، ولد بالشويفات 1224، وتوفي أبوه وعمره سنتان فاعتنت به أمه السيدة حبوس أكثر من إخوته بما رأت فيه من مخايل النجابة، وكان الأصغر بين إخوته، ولما توفيت أمه رحل مع أخويه الأمير حيدر والأمير أحمد إلى عكة؛ فرارا من الأمير بشير، ولجأ معهما إلى علي باشا الأسعد، ثم أتوا الشيخ بشير جانبلاط في راشيا، وعادوا معه إلى مواطنهم، ثم صحبوه إلى حوران، ثم إلى عكار، ثم عادوا إلى الجبل، وكان ذلك سنة 1241. وفي سنة 1242 شهد المواقع الثلاث التي وقعت بين الأمير بشير والدروز بالمختارة، فلما فاز الأمير بشير فر الأمير أمين إلى حوران. وفي سنة 1243 أتى دمشق لملاقاة علي باشا الأسعد، وقد أوشك أن يقع في يد أعدائه لو لم يبد من الشجاعة ما مكنه من النجاة، ثم صحب علي باشا إلى بر الأناضول فجعله مهردارا وقربه إليه كثيرا، وعول عليه في أموره، ثم قدم الأمير أمين دمشق مع أخويه، وشهدوا ما وقع بين العرب والشمري من المواقع، وقد بلغت ثلاثا وثلاثين موقعة في شهر واحد، فاشتهر الأمير ببسالته؛ فأحبه الشمري وجعله قائدا على مائة. وفي سنة 1247 تولى المحافظة على جبة فرعون وطريق الحاج، وفي سنة 1248 رجع إلى وطنه، وانضم إلى العساكر المصرية في محاربة عبد الله باشا، وقد حضر حصار عكة، ولما فتحت رجع إلى وطنه، وفي سنة 1249 صحب الأمير بشيرا إلى دمشق لفتحها، ثم عاد إلى الجبل ، وفي سنة 1251 سار معه إلى صفد لمحاربة أهلها فاشتهرت هناك بسالته وارتفع بذلك قدره، وفي سنة 1256 أرسله الأمير بشير إلى صيدا، ثم أتى مع العسكر المصري إلى بيروت، وانضم إلى عباس باشا الذي جاء لمحاربة اللبنانيين، ولبث معه حتى انتهت الحرب فأعجبته بسالته، وأمر الأمير بشير أن يوليه مقاطعة الأرسلانيين؛ فولاه الغرب الأسفل والساحل، ثم جاء بيروت ودخل في طاعة قائد العسكر العثماني عزت باشا فوجهه القائد مع زكريا باشا إلى يافا.
ولما كانت سنة 1257 أمره مصطفى باشا - سرعسكر الدولة - حين قدم لبنان لتمهيد أحواله أن يصحب عمر باشا المجري إلى بيت الدين، وأوعز إلى عمر باشا أن يعول عليه، ولكن الأمير لم يلبث أن عاد إلى الشويفات.
وفي سنة 1258 جعله السرعسكر قائدا لسبعمائة جندي، ثم اتهم بعد رجوع السرعسكر إلى الآستانة أنه زين للدروز محاربة عمر باشا فقصد الآستانة بطريق بغداد وسطا عليه العرب في الطريق مرارا، ووقعت له معهم واقعات كثيرة ذاق فيها ألوانا من الأهوال، فوصل بغداد في أحد عشر رجلا ممن يركن إليهم؛ فأكرم والي المدينة نجيب باشا وفادته، وسأله أن يكون رئيسا للجند فأبى، واستأذنه في المسير إلى الآستانة فأذن له وسلحه بكتب إلى بنيه يوصيهم به.
ولما كانت السنة التالية سنة 1259 رجع الأمير إلى موطنه ومعه كتب مؤذنة بالرضا عنه، وفي سنة 1261 ولاه شكيب أفندي قائمقامية الدروز في القسم الجنوبي من لبنان وذلك بعد أخيه الأمير أحمد، فلبث في منصبه حتى توفاه الله. وفي سنة 1266 أحسن إليه برتبة إصطبل عامره مع نيشان مرصع، وسنة 1270 ذهب إلى الآستانة حيث أقام نصف سنة، ثم عاد وقد صفا له الكأس وراق العيش، فتنافست في مدحه الشعراء، ومن أحسن ما قيل فيه من المديح منظومات الشيخ ناصيف اليازجي فيه التي طبعت في ديوان الشيخ «نفحة الريحان»، وكان الأمير كثير البر بالشيخ وبغيره من الشعراء الذين مدحوه. وفي الأيام الأخيرة من سنة 1274 أصيب بذات الرئة فأتي بعائلته إلى مقام الإمام الأوزاعي رغبة في تبديل الهواء، فتوفي ليلة عيد الفطر سنة 1275، وكان عمره خمسين سنة ونيفا، ودفن هناك. وأما مدة ولايته فكانت ثلاث عشرة سنة، وكان شجاعا مهيبا حليما كريما فصيحا شديد الذكاء يحب العلم وأهل العلم، ويبالغ في إكرامهم ويكثر لهم الحباء؛ ولذلك كثر فيه مدحهم. الأمير حيدر أخو الأمير أمين ولد سنة 1211 بالشويات ونشأ بها، وكان كلفا بطلب العلم، قرأ علم الفلك والإصطراب، وبرع في المنطق والفقه والصرف والنحو، وكان ورعا في الدين حسن السريرة سخيا في المعيشة. ولما قبض على الشيخ بشير، وكان الأمير من حزبه، التمس هذا الأمر من الأمير بشير الشهابي بالعود إلى وطنه، وذلك سنة 1241 فسمح له، ولكن على شرط أن يؤدي أربعين ألف غرش، فباع قسما من أملاكه ودفع إليه ثمنها. وإذ بلغ الأمير بشيرا أنه أمد أولا الشيخ بشير بالمال صادره على عشرين ألف غرش، فأيقن إذ ذلك أن لا تصفو له المعيشة في لبنان؛ ففر مع أخويه الأمير أمين والأمير أحمد وصحبهما أينما كانا؛ فناله ما نالهما، ثم عاد الأمير بشير، فأمر أن ترد إليه أملاكه ومتعه بالراحة والأمان؛ فرجع وأقام بالشويفات. ولما كانت سنة 1259 استقدمه إليه أسعد باشا وقرأ عليه بعض الفنون، وكان يحترمه كثيرا، وفي سنة 1281 جعله داود باشا - وهو رأس المتصرفين للبنان - مديرا للغرب الأقصى، وفي سنة 1284 أحسن إليه بالوسام المجيدي من الدرجة الرابعة. ولما عزل ابنه الأمير ملحم عن قائمقامية الشوف أتى بعياله بيروت واستوطنها حتى توفي فيها سنة 1293 عن اثنتين وثمانين سنة، فنقل إلى الشويفات ودفن فيها بما يليق به من التجلة والإكرام، ولم يعقب من الولد إلا الأمير ملحما، وكان يحب العلم وأهل العلم، ويرتاح إلى المحاضرة والمناظرة، وقضى أيامه الأخيرة بالرفاهية والراحة، وكان حلو الحديث لطيف العشرة حسن الطية كثير الصدقات، وكان له شعر رقيق.
الأمير ملحم ابن الأمير حيدر
وله بالشويفات سنة 1236، ونشأ فيها طلب العلم، فكان له إلمام بالفرائض والنحو والحساب وغير ذلك من العلوم، وأما الفقه فأخذ منه نصيبا كبيرا ونظم فيه أرجوزة حسنة ضمنها أحكام السلم، ونظم رقيق الأشعار، ولما كانت حادثة الجبل الأخيرة المعروفة بحادثة سنة ستين لم يكن له فيها يد إلا في مساعدة المصابين ووقاية أهل وطنه - ولا سيما النصارى منهم - فأحبه الناس وازدادت ثقتهم به، ولما قدم المغفور له فؤاد باشا إلى هذه الديار منفذا من لدن الدولة العلية لإطفاء نيران الثورة استحضره في جملة من استحضر إلى بيروت فسجن أربعة أشهر، ولكن النصارى جهروا بالمحاماة عنه فخلي سبيله وردت إليه أملاكه، ولما قدم المغفور له داود باشا متصرفا على لبنان نصبه مديرا على ناحية الشوف بعد أن وثق من شهادة القوم فيه أنه حسن التصرف كفؤ لذلك، فقام بأعباء منصبه خير قيام، وأحبه المتصرف وقربه إليه وعول عليه، ثم أحسن إليه برتبة إصطبل عامره مع وسام مجيدي من الدرجة الرابعة مكافأة له على صدق خدمته، وكان ذلك سنة 1280، فازدادت بذلك رغبته في تحسين إدارة الأحكام فوجهت إليه الرتبة الثانية المتمائزة مع الوسام المجيدي من الدرجة الثالثة سنة 1284، ولما قدم المغفور له فرانقو باشا متصرفا على لبنان خلفا لداود باشا أقره في منصبه. وفي سنة 1276 أحسن إليه بالرتبة الأولى من الصنف الثاني، ولما ولي المغفور له رستم باشا متصرفية الجبل عزله عن قائمقامية الشوف، وجعل الأمير مصطفى ابن الأمير أمين في منصبه، وكان ذلك سنة 1289، وكانت مدته في خدمة الحكومة اثنتي عشرة سنة، وأتى بعياله إلى بيروت، ثم توفي بالشويفات ودفن بها، وكان ذلك عام 1296.
الأمير محمد هو ابن الأمير أمين
ولد بالشويفات سنة 1254، وطلب العلم مشغوفا به، فاعتنى أبوه بأمر تعليمه وتثقيفه للأحكام منذ نعومة أظفاره بما رأى فيه من الاستعداد، فقرأ العربية، وأتقن معرفة اللغة التركية، ثم درس الفرنسية فأجاد فيها، ونال شيئا من فن تصوير اليد وتصوير الشمس، ونظم في صبائه أشعارا لطيفة. ولما أدرك الخامسة عشرة من عمره تولى إدارة الغرب الأقصى تحت سيطرة أبيه، وفي سنة 1268 أعطي رتبة قبوجي باشي، وفي سنة 1274 عهد إليه أن يكون وكيلا للقائمقامية لاعتلال أبيه، ولما توفي أبوه في السنة التالية صار هو في المنصب أصيلا ، وأحسن إليه برتبة إصطبل عامره، وبعد أن وقعت الفتنة الأخيرة في لبنان بين الدروز والنصارى أتى بعياله بيروت واستوطنها وانقطع للمطالعة والتأليف، ولما كانت سنة 1285 أنشأ الجمعية العلمية السورية ببيروت، ثم وجهت إليه في هذه السنة نفسها الرتبة الأولى، وجعل عضوا لمجلس شورى الدولة، فسار إلى الآستانة ونال بواسطة أصدقائه اعتبار رجال الدولة العلية وسفراء الدول له، فصار بذلك نافذ الكلمة مرعي الجانب، ولكنه أصيب هناك بمرض في قلبه توفي به، وكانت وفاته في رمضان سنة 1285 وعمره إحدى وثلاثون سنة وبضعة أشهر، ودفن في تربة السلطان أيوب، وكان بعيد المدارك حكيما متوقد الذهن حازما في أعماله بارعا في العلوم، وله من التآليف اختبار الأخبار في أحوال التاريخ، وتشحيذ الأذهان في المنطق، والكلمة في الصرف والنحو، وحقائق النعمة في طول الحكمة، والمسامرة في المناظرة، وبديع الألباب في التصريف والإعراب، وتعديل الأفكار في تقويم الأشعار، وتوجيه الطلاب في علم الآداب، وسر الأفكار في النحو، والأجل في الإعراب، ورواية فرح بن سرور، والتحفة الرشدية في اللغة التركية، وتماثيل الأحوال في مبادي الأعمال، وعظمة وسقوط العرب. ولكن المنية أدركته قبل استيفاء الآخرين من تأليفه وهما من أحسن ما كتب في التاريخ والآداب، ولم يطبع من هذه التآليف إلا التحفة الرشدية. (7) الأمراء اللمعيون
ذكرنا فيما تقدم التنوخيين، ثم الأرسلانيين منهم، وها نحن الآن مثبتون ذكر اللمعيين عملا بانتساق المطلوب في التواريخ؛ وذلك لأن هؤلاء الأمراء من قبيلة اشتهرت بين القبائل التنوخية التي جاءت من أنحاء حلب كما تقدم تفصيل ذلك في موضعه، وهذه القبيلة هي قبيلة بني فوارس. قدم هؤلاء في سنة 821 بعد المسيح من أنحاء حلب إلى لبنان، فجاءوا المتن ونصبوا فيها خيامهم، ثم توطنوا ذلك المكان واستعمروا الأرض ونموا؛ فصاروا خلقا كثيرا، ثم علا شأنهم وعظم جاههم، فانضم إليهم أعوان كثيرون، ووقعت مهابتهم في قلوب مجاوريهم فاتخذوا لأنفسهم لقب مقدمين. وفي أواسط القرن السادس عشر استوطن أحد هؤلاء المقدمين المكنى بأبي اللمع قرية كفر سلوان وبنى على تل فيها دارا حسنة، وولد له ولدان - علم الدين وقايد بيه - فعلم الدين ولد حسينا، وحسين ولد محمدا، ومحمد ولد مرادا وفارسا؛ فصار قايد بيه ومراد وفارس رؤساء أسر كبيرة، كل منهم رئيس أسرته. ثم ذهب مراد إلى المتين فاستوطنها وبنى فيها قلعة، وبنى أولاده قلعتين في قرنايل وفالوغا وأتى قايد بيه صليما، وبنى فيها قلعة وبنى أولاده قلعة برمانا، وأما فارس فأتى إلى زوق الخراب أولا، ثم إلى بسكنتا وتوطنها، وأما أبو اللمع فوقعت بينه وبين مقدمي الشبابية بني الصواف عداوة أفضت إلى تغلبه عليهم حتى انقرضوا.
صفحه نامشخص