ما قالوا في هذا اللون من البر، ثم نعقبه بخيرِ ما قالوا في الآباء والأبناء والأقارب، مما يتأشّب إلى هذا المعنى، وينشعب به القول، ولا يخلو بعضه من طرافة، حتى نستوعب المنتقى من كلامهم في كل باب، وحتى يكون فيما يستطرف منه استراحةٌ للقارئ وانتقالٌ ينفي ملل الجِدِّ عنه. . . فمن ذلك ما يقول الله ﷿ ونتجزأ بهذه الآية الكريمة الجامعة عن سائر الآيات التي يزخَرُ بها كتاب الله في باب البِرّ بالوالدين -: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا، رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا، وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾. . . الآيات.
قوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾: أي أمر أمرًا مقطوعًا به. . . وإنها لكلمة مروِّعة ترجّ النفس رجًا وتزلزل أرجاءها زلزالًا شديدًا. ولا جرم أنه كتاب الله الذي أحكمت آياته. أما قوله سبحانه: ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾: أي قضى ربك بأن لا تعبدوا إلا إياه؛ لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام. وقوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، أي وقضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانًا، وقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا﴾، فإما: هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدًا لها، فكأنه قال: إن يبلغن، وأحدهما فاعل يبلغن، و﴿أُفٍّ﴾: صوت يدل على التضجر، وعندك: قال الزمخشري: معناه: أن يكبرا ويعجزا ويصيرا كَلًاّ على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما في بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشد احتمالًا وصبرًا، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب
1 / 15